للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الإسلام وعلى نبي الإسلام، وأصبح الإسلام هو السُّبَّةَ أو الإهانةَ التي يُمكن أن يوصَفَ بها كل مخالف، وانتَشر في ذلك الوقتِ تبادُلُ هذ الاتهام بين كلٍّ من أنصار الكاثوليكيةِ وأنصارِ البروتستانتية. وقد ساهَمت الرؤية الفكريةُ الغربيةُ بأن نُبوَّة محمدٍ في - صلى الله عليه وسلم - كاذبةٌ في عَقدِ مقارناتٍ ظالمةٍ مع المسيحية الرهبانيةِ، بغَرَضِ تشويهِ صورةِ الإسلام وصورةِ نبيِّه، وهنا تتدخل رؤية للنفسِ المسلمةِ نابعةٌ من شروطِ تطوُّرِ فِكرةِ النبوة الكاذبة، هذه الرؤيةُ مَفادها أن سلوكَ نبي الإسلام هو نَقيضُ سلوكِ القدِّيس القائم على قَمع الغرائز، وأن الإسلامَ شهوانيٌّ وماديٌّ في رُوحِه وفي مَفهومِه للجنة، وأن شرائعَه ومؤسَّساتِه لم تَفعلْ سوى تطويرِ هذه الجرثومةِ القاتلةِ التي تَعيبُه من أساسه، فإذا كان مفهومُ الجَنَّةِ يُبيِّن أننا أمامَ دين خالٍ من الروحية، محصورٍ في صورةِ اللذات المستقبلية، وتفوحُ منه رائحةُ الوثنية، فإنَّ حياة النبي بدَورها تُبرهِنُ على ضعفِ قيمتِها الأخلاقية (١).

تَسبَّبَ الموقفُ الدينيُّ والفكريُّ الغربيُّ الذي يَدَّعي كَذِبَ نبوةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - في تكوُّنِ فكرةٍ مسيحيةٍ استقرَّت في أذهانِ الكثيرِ من المفكرين الدينيين في الغرب، هذه الفكرةُ تتصوَّرُ أن هذه النبوةَ الكاذبةَ في ظنهم قد أوقَفت تطوُّرَ الإنسانيةِ باتجاه المسيحية، يقول أحدُهم: "لقد أمكن لمحمدٍ أن يُكوِّن إمبراطوريةً سياسيةً ودينيةً على حساب موسى والمسيح" (٢).

بالطبع هناك أسبابٌ حقيقةٌ للتخوُّفِ من أن يعيقَ الإسلامُ طريقَ انتشارِ


(١) "أوربا والإسلام" لهشام جعيط (ص ١٣).
(٢) المصدر السابق (ص ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>