انظر إلى بعضِ أسرار البيان وإعجازِ القرآن في سورة "الكوثر"، كلُّها تدورُ على أن شانِئَ النبيِّ هو الأبترُ تصدِّق ذلك سِيرته:
° "إنَّ هذه السورةَ عَشْر كلماتٍ في الكتابة، إشارةً إلى أن تمامَ بَتْرِ شانئه يكونُ مع تمام السَّنةِ العاشرةِ من الهجرة، وكذا كان، لم تَمْضِ السَّنةُ الحاديةَ عشْرةَ من الهجرة وفي جزيرةِ العرب إلاَّ مَن يَرى أشرفَ أحواله بَذْلَ نفسِه ومالِه في حُبِّه، وإذا أضْفنا إليها الضميرين المستترْينِ كانت اثنَتْي عشْرة، وفي السَّنة الثانيةَ عشْرةَ من النبوَّة بايعه - صلى الله عليه وسلم - الأنصارُ على مُنابذةٍ الكفار، وإذا أُضيف إلى العشرةِ الضمائِرِ البارزةِ الخمسةُ كانت خَمْس عشرة، فتكون إشارةً إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - عند تمام السَّنةِ الخامسةَ عشْرةَ من نبوَّته يَبسُطُ يَدَه العاليةَ لبترِ أعدائِه، وكذا كان في وقعة "بدر" الرفيعة القَدْر، ففي ضمائرِ الاستتارِ كانت "البيعةُ" وهي مستترة، وفي الضمائرِ البارزة كانت "بدر" وهي مشتهرة، وإذا أضيف إلى ذلك الضميرانِ المستترانِ كانت سَبْعَ عشرة، وفي السَّنة السابعةَ عشْرةَ، من نبوَّته كانت غزوةُ "بدر الموعد"، وفَّى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوعد في الإِتيان إلى بدرٍ للقاءِ قريش للقتال ومقارعةِ الأبطال، فآذَنَهم اللهُ فلم يأتوا، وإنما اعتُبر ما بعد الهجرة من أحوال النبوة عندما عُدَّت الكلمات الخطيَّة العشر لكونها أقوى أحوالِ النبوة -كما أن الكلماتِ الخطيةَ أقوى من الضمائر وإنِ اشترك الكلُّ في اسم الكلمات-، فلذلك أُخذ تمام البتر للشانئ، وهو ما كان في السنة الحاديةَ عشْرةَ من هلاك أهل الرِّدة وثباتِ العرب في صفة الإسلام .. ولما ضُمَّت الضمائرُ البارزة الخمسة -التي هي أقربُ من المستترة إلى الكلماتِ الخطية وأضعفُ من الكلمات الخطية - اعتُبر من أولِ السورةِ لمناسبةِ ما كان من ضعف الحال فيما