° ويردُّ "الكونت" على اتهام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتأليفِ القرآن ويقول:"وكيف يُعقلُ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألَّف هذا الكتابَ باللغة الفصحى، مع أنها في الأزمانِ الوسطى كاللغةِ اللاتينية، ما كان يَعقِلُها إلاَّ القومُ الصالحون (١)، وقد شاهَدْنا أُناسًا -وكان أكثرُهم أُميين- قاموا في أُمَّة العَرَب وادَّعَوُا النبوةَ -منهم "مُسيلِمة" الذي زَعَم أنه قَرينُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أتى بسُورٍ سَخِر منها العربُ، ولو لم يكن في القرآن غيرُ بهاءِ معانيه وجمالِ مبانيه، لكفى بذلك أن يستوليَ على الأقطار، ويأخذَ بمجامع القلوب.
أتى محمد بالقرآن دليلاً على صِدقِ رسالته، وهو لا يزالُ إلى يومنا هذا سِرًّا من الأسرارِ التي تَعذَّرَ فَكُّ طَلَاسِمِها، ولن يَسبِرَ غَوْرَ هذا السرِّ المكنون إلاَّ مَن يُصدِّقُ بأنه مُنزَّل من الله؛ اللهمَّ إلاَّ إذا اعتَمَدْنا على قولِ مُمجدي الدينِ المسيحي مما كنَّا نرتاحُ إليه أيامَ شبيبتنا (وهو يَرجعُ إلى أن القرآنَ تأليفُ فاتح أراد تأييدَ سُلطته، فجَمَع مِن كُتب اليهود والمسيحيين قانونًا أودعه بعضَ قواعِدِ الادبِ والدين، وأضاف إليه قَصصَ الوقائع العظيمةِ لتأييدِ رسالته).
وعلى كل حال -أي سواءٌ توصَّلْنا إلى معرفةِ حقيقةِ القرآن أم لا-، فلا يُنكِرُ أحدٌ أن مَظهَرَ محمدٍ كان مَظهَرَ نبوَّةٍ بالفعل -بقَطع النظرِ عن صِدقِ تلك النبوة- وعدم صِدقها-، لأن النبوة -مِن حيث هي- عبارة عن قيام رجل يُملي على الناس أمرَ ربه، ويَعتقدُ حقًّا أن ما يقولُه آتٍ من عند الله.
(١) هذا كلام غير صحيح .. فإن العرب كانوا جميعًا فصحاء، ولم يكن عندهم لهجةٌ عاميةٌ مثل لهجاتنا اليوم .. بل كل "لغاتهم" كانت فصيحةً، كما قال نابغة العربية مصطفى صادق الرافعي في كتابه "تاريخ آداب العرب" (ج ١).