ومحمدٌ -كما قال "إيوالد" عن أنبياءِ بني إسرائيل- أعتقدُ أن رُوحًا من الله استولت على لُبِّه، فلم يَشعُرْ بأن له فِكرًا خاصًّا، بل إنه أُوتِيَه من عندِ ربِّه، واختَفت في نظرِه أنانيَّته، ولم يَعُدْ يَسمعُ غيرَ صوتِ ذاتٍ فوقَ ذاته، ومِن ذلك الحِينِ أَخذت شَفَتاهُ تَنطِقُ بألفاظٍ بعضها أشدُّ قوةً وأبعدُ مرمًى من بعضٍ، والأفكارُ تتدفَّقُ مِن فَمِهِ على الدوام، وكانت تلك الانفعالاتُ تَظهر على وجهه، فظنَّ بعضُهم أن به جِنَةً، وهو رأيٌ باطل؛ لأنه بدأ رسالتَه بعد الأربعين، ولم يُشاهَد عليه قبلَ ذلك أيُّ اعتلالٍ في الجِسم، أو اضطرابٍ في القوة المادية".
° ويقول: "إذن فليس محمدٌ من المبتدِعِين، ولا من المنتحلين كتابَهم، وليس هو نبيًّا سلاَّبًا -كما يقول "سايوس"-، نعم، قد نرى تشابهًا بين القرآنِ والتوراةِ في بعضِ المواضع، إلاَّ أن سَبَبه ميسورُ المعرفة، ذلك أن محمدًا كان يُلصِقُ ديانةَ الإسلام بالديانتين المسيحية واليهودية (كذا)؛ وحينئذٍ لا عَجَبَ إذا تشابهت تلك الكتبُ في بعضِ المواضع، خصوصًا إذا لاحَظْنا أن القرآنَ جاء ليُتمِّمَها، كما أن محمدًا هو خاتمُ الأنبياء" (١).
° يقول الدكتور عبد الحليم محمود: "ونختمُ الحديثَ عن آراء "الكونت" بهذا الوصفِ الرائع لتلك الساعةِ الأليمة التي فارق فيها الرسول عالَمنا الدنيوي، لِيَلحَقَ بالرفيق الأعلى، ولِينعمَ برِضوانِ الله، إذ يقول: ولمَّا أَحس بقُربِ الأجل، ذَكَر الفقراءَ، فإنه لم يَرغبْ طولَ حياتِه في المال،
(١) "آفاق جديدة للدعوة الإسلامية" (ص ١٢٢ - ١٢٤) نقلاً عن "الإسلام سوانح وخواطر" للكونت هنري ترجمة أحمد فتحي زغلول.