وعندما وصل "بير فكتوس" إلى القاضي كان يَرتعدُ خوفًا ورُعبًا، ولكنَّ القاضي لم يُصدِرْ حُكمًا بإعدامِه لإهانتِه الإسلامَ ورسولَه، لأنه رأى أنه كان ضحيةَ استفزازٍ من المسلمين، ولكن" بير فكتوس" بعد إطلاقِ سراحِه ظل يَسُبُّ نبيَّ الإسلام سبًّا بذيئًا، فلم يَجِدِ القاضي بُدًّا من الحُكم بإعدامه، فتَجمَّع عددٌ من المسيحيين، وكوَّنوا جماعةً اعتَبرت "بير فكتوس" شهيدًا، وبعدها بأيام ظَهَر راهبٌ آخرُ يُدعى" إسحاق" ظَلَّ يَسُبُّ الإِسلامَ ونبيَّ الإسلام بحرارةٍ جَعلت القاضي يظنُّ أنه مخمورٌ أو مختلٌّ عقليًّا، ولَّما استمرَّ في السِّباب -وهو في كامل وعيه- لم يَجِدَ القاضي بُدًّا من الحُكم عليه، ولم يكن المسلمون يَضيقون بمعتقداتِ الدياناتِ الأخرى بما فيها نقاطِ الخلافِ مع الإسلام، لأن الإسلامَ وُلد في ظلِّ التعدُّديةِ الدينية، وتَعايَشَ مع جميعِ العقائد على مرِّ العصور، ولم يكن القانونُ في الإمبراطوريةِ الإسلاميةِ يُحَرِّمُ الدعوةَ المسيحيةَ، وكان يَشترطُ فقط ألا يتعرَّضَ المسيحيونَ في دعوتهم للهجوم على النبيِّ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
ولم تَمضِ أيامٌ على إعدام "إسحاق" حتى وصل سِتَّةُ رُهبانِ من الدَّيرِ نفسِه، وقاموا بالتهجُّم على النبيِّ محمد - صلى الله عليه وسلم - بصورةٍ مُقذِعة، وانتشرت هذه الظاهرةُ حتى بَلَغ عددُ من حُكم عليهم خمسين، واشترك أسقفُ قرطبة في إدانتِهم، ولكنهم اعتُبِروا "شهداءَ قرطبة" وانتَشرت هذه القصَّةُ في الغرب، وكان الإسلامُ في ذلك الوقتِ قوةً عامليةً، وكانت أوربا قد اكتَسحتها القبائلُ الهمجيةُ، وأصبحت بِركةً رااكدةً، وكان العالَم يبدو كأنه