ومن ذلك: أن أصحابه كانوا إذا سَمِعوا مَنْ يَسُبُّه ويؤذيه - صلى الله عليه وسلم - قتلوه، وإن كان قريبًا، فيُقرُّهم على ذلك ويرضاه، وربما سَمَّى مَنْ فعل ذلك "ناصرًا لله ورسوله".
فهذه الأحاديثُ كلُّها تدلُّ على أنَّ مَن كان يسبُّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ويؤذيه من الكفار، فإنَّه كان يَقصِدُ قَتْلَه، وَيحضُّ عليه لأجل ذلك، وكذلك أصحابُه بأمره يفعلون ذلك، مع كَفِّه عن غيرِه ممن هو على مِثل حاله في أنه كافرٌ غيرُ معاهَد، بل مع أمانهِ لأولئك، أو إحسانِه إليهم من غير عهدٍ بينه وبينهم، ثم مِن هؤلاءمَنْ قُتل، ومنهم من جاء مسلمًا تائبًا فعُصِم دمه.
* سنَّة الله فيمن لا يقدرُ المسلمون على الانتقام منه:
ومِن سُنةِ الله أن مَن لم يُمكَّنِ المؤمنون أن يُعذِّبوه مِن الذين يؤذون اللهَ ورسولَه، فإن اللهَ سبحانه ينتقمُ منه لرسوله ويكفيه إياه، كما قدمنا بعضَ ذلك في قصةِ الكاتب المفتَرِي، وكما قال سبحانه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [٩٥]} [الحجر: ٩٤ - ٩٤].
والقصةُ في إهلاكِ الله واحدًا واحدًا من هؤلاء المستهزئين معروفة، قد ذكرها أهلُ السِّير والتفسير، وهم -على ما قيل- نفرٌ من رؤوس قريش: منهم الوليدُ بن المغيرة، والعاصُ بن وائل، والأسودانِ بنُ المطلب وابنُ عبد يغوث، والحارثُ بن قيس.
وقد كَتب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى كِسرى وقيصر، وكلاهما لم يُسْلم، لكنَّ قيصرَ أكرَمَ كتاْبَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكرم رسوله، فَثَبَتَ مُلكُه، فيقال: إن المُلكَ باقٍ في ذريته إلى اليوم، وكِسرى مَزَّق كتابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -،