وهذا دينُ محمد له أكثرُ من خَمْسِمئة سنةٍ أو سِتِّمئة سنة (يعني: في أيام هذا المَلِك)، وهو ظاهر مقبولٌ متبوع؛ فكيف يكونُ هذا كذابًا، ثم ضَرَب عُنقَ ذلك الرجل (١)!!.
ألم يعلموا أن كثيرًا من عُقلائهم وملوكهم وعلمائهم لَمَّا وَصلت إليهم دعوةُ الإِسلام بيضاءَ نقيَّةً، لم يَملِكوا إلاَّ الإِقرارَ بصحَّةِ هذا الدين، وعَظَّموا النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم مَن أعلن الدخولَ في الإِسلام؟!.
فقد أقرَّ مَلِكُ الحبشةِ "النجاشيُّ" بذلك، ودَخل في الإِسلام.
ولَمَّا أرسل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كتابًا إلى "هرقلَ" مَلِكِ الروم يدعوه فيه إلى الإسلام، أقرَّ هرقلُ بصحةِ نبوته، وهمَّ أن يُعلِنَ إسلامَه وتمنَّى أن يذهبَ إلى الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - ويكونَ خادمًا عنده، إلاّ أنه خافَ على نفسِه من أهل ملَّته ثم ضَنَّ بمُلكِه وأخذته شهوةُ الرئاسة، فبقي على الكفرِ ومات عليه.
ولم يَزَلِ الكثيرُ من مُفكِّريهم وكُتَابهم ومؤرِّخيهم المنصفين يُعلنون الثناءَ على محمد - صلى الله عليه وسلم -.
١ - "برنارد شو" الإِنكليزي، له مؤلَّف أسماه "محمد" يقول: "إن العالَم أحوجُ ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمدٍ، وإن رجالَ الدينِ في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصُّب، قد رَسموا لدينِ محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للنصرانية، لكنَّني اطلعتُ على أمرِ هذا الرجل، فوجدتُه أعجوبةً خارقةً، وتوصَّلتُ إلى أنَّه لم يكن عدوًّا للنصرانية، بل يجبُ أن يُسمَّى "منقذ البشرية"، وفي رأيي أنَّه لو تولَّى أمرَ
(١) "شرح العقيدة الأصفهانية" لشيخ الإسلام ابن تيمية.