بـ"هادي المستجيبين"، ولَقَّب الحاكم بـ "قائم الزمان"، وبَثَّ دعاتَه في أنحاءٍ مصرَ والشام، ورَخَّص في أحكامِ الشريعة، وأباح الأمهاتِ والبناتَ وسائر المحارم، وأسقَطَ جميعَ التكاليفِ في الصلاة والصوم وغيرِهما، فاستجاب له كثيرٌ من الكافة، وكثُر جَمعُه، وذاع أمره، وكان الحاكم حين يَمرُّ رَكْبُه بالمسجد، يخرجُ إليه حمزةُ، ويحادثُه طويلاً على انفراد، ولم يَلبثْ أنْ أَولاه الحاكمُ رعايتَه بصورةٍ ظاهرة، وبَعَث إليه وإلى أتباعِه بالسلاح ليدافعوا عن أنفسِهم وقتَ الحاجة، إذ كانوا يُوجِسون شرًّا من الكافَّة، ثم تمادى حمزةُ في مشروعِه، فاتَّخذ له بطانةً قويةً من الدعاةِ والرسل، وَلقَّب أحدَهم -وهو إسماعيلُ بنُ محمد التميمي- بـ "سفير القُدْرة"، وكان يُنفِذُه لأخذِ البَيعةِ من الرؤساء والكبراء للحاكم في صفته الجديدة التي أسبغها عليه حمزة وشيعتُه -أعني باعتباره "قائمَ لزمان"-، فكان الكثيرُ منهم يَضطَرُّ إلى التظاهر بالقبول خَوفًا من البطش والانتقام" (١).
فهؤلاء هم مؤسِّسو المذهبِ الدرزيِّ وبُناةُ هذه النِّحلة، وهذه هي علاقتهم بالإِمام الإسماعيلي المعصوم -حسب زعم القوم- الحاكم بأمر الله.
ولقد ذَكر المؤرخون أنَّ عَزْمَ الحاكم على إحراقِ مصر، وهَتكِ أعراض الناس، وخطفِ نسائهم وبناتهم، ونَهْبِ أموالهم، وسَفكِ دمائهم لم يكن إلاَّ نقمة ًمنه عليهم بأنهم لَم يَقبلوا ادعاءاته السخيفة، ولم يؤمنوا بألوهيته
(١) انظر "الحاكم بأمر الله" لمحمد عبد الله عدنان (ص ١٩٧)، ط مكتبة الخانجي القاهرة نقلاً عن "تاريخ الأنطاكي" (ص ٢٢٠ و ٢٢٣)، و"المكين ابن العميد" (ص ٢٦٤ و ٢٦٥)، والمقريزي في "اتعاظ الحنفاء" (المخطوط) لوحة ١٦٩، وراجع أخبار الدول المنقطعة (المخطوط) وأورده فستنفلد في "تاريخ الفاطميين" (ص ٢٠٥، ٦٠٢).