للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للرشاد، ففي ضمن هذا النفي الشهادةُ له بأنه على الهدى والرشاد، فالهدى في عِلمه، والرشادُ في عمله، وهذان الأصلان هما غايةُ كمالِ العبد، وبهما سعادتُه وفلاحُه، وبهما وَصَف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - خلفاءَه، فقال: "عليكم بسُنَّتي وسُنة الخلفاء الراشدين المَهْدِيِّينَ من بعدي" (١)، فالراشد ضدُّ الغاوي، والمَهْدِيُّ ضَدُّ الضالَ، وهو الذي زكت نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح، وهو صاحبُ الهدى ودينِ الحق، ولا يَشتبِهُ الراشدُ المَهدِيُّ بالضالِّ الغَوِيِّ إلاَّ على أجهلِ خَلقِ الله، وأعماهم قلبًا وأبعدِهم من حقيقة الإِنسانية.

° ولله درُّ القائل:

وما انتفاعُ أخي الدنيا بناظِرِه … إذا استوت عنده الأنوارُ والظُّلَمُ

وتأمَّلْ كيف قال سبحانه: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} ولم يقل: "ما ضلَّ محمدٌ"، تأكيدًا لإِقامةِ الحُجَّةِ عليهم بأنه صاحبُهم، وهم أعلمُ الخلق به وبحاله وأقوالِه وأعماله، وأنهم لا يعرفونه بكَذِبٍ ولا عِيٍّ ولا ضلال، ولا يَنقِمون عليه أمرًا واحدًا قط". اهـ من كلام ابن القيم.

* {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣، ٤]:

° قال ابن القيم: "قال سبحانه يُنزِّهُ نُطقَ رسوله أن يَصدُرَ عن هوًى، وبهذا الكمال هداه وأرشده، وقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} ولم يقل: "وما ينطق بالهوى"؛ لأن نُطقَه عن الهوى أبلغُ، فإنه يتضمَّنُ أن نُطقَه لا يَصدرُ عن هوًى، وإذا لم يَصدُرْ عن هوى فكيف ينطقُ به؟! فتضمَّن نَفْيَ


(١) صحيح: رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، ورواه ابن حبان، وصحَّحه الألباني وشعيب الأرنؤوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>