بتلك الألفاظ المأخوذةِ عن الأنبياء، فيَظنُّ مَن لم يعرف مرادَ الأنبياء ومرادَهم أنهم عَنَوا بها ما عَنَتْه الأنبياءُ .. وضَلَّ بذلك طوائفُ، وهذا موجودٌ في كلام ابن سينا ومن أخَذَ عنه، وقد ذَكَر الغزاليُّ ذلك عنهم تعريفًا بمذهبهم، وربَّما حَذَّر عنه، ووقع في كلامِه طائفةٌ من هذا في الكتب المضنون بها على غير أهلها وفي غير ذلك، حتى في كتابه "الإحياء" يقول: "الملك والملكوت والجبروت"، ومقصوده الجِسمُ والنَّفس والعَقل الذي أثبتته الفلاسفة، وَيذكُرُ اللوحَ المحفوظ، ومرادُه به النفسَ الفلكية .. إلى غير ذلك مما قد بسط في غير هذا الموضع، وهو في "التهافت" وغيرِه يُكفِّرُهم، وفي "المضنون به" يذكرُ ما هو حقيقةُ مذهبِهم، حتى يَذكرَ في النبوَّات عَينَ ما قالوه، وكذلك في الإلهيات، وهذه الصفاتُ الثلاثُ التي جَعلوها خاصةَ الأنبياء توجَدُ لعمومِ الناسِ، بل توجدُ لكثيرٍ من الكفار من المشركين وأهلِ الكتاب، فإنه قد يكونُ لأحدهم من العلم والعبادة ما يتميَّز به على غيره من الكفار، ويَحصلُ له بذلك حَدْسٌ وفراسةٌ يكون أفضلَ من غيره.
وأما التخييلُ في نفسه، فهذا حاصلٌ لجميعِ الناس الذين يَرَون في مناماتهم ما يَرَون، لكن هو يقولُ: إن خاصَّةَ النبيِّ أن يَحصلَ له في القيظةِ ما حَصَل لغيرِه في المنام، وهذا موجودٌ لكثيرٍ من الناس، قد يحصلُ له في اليقظة ما يَحصُلُ لغيرِه في المنام، ويَكفيك أنهم جَعَلوا مثلَ هذا يحصلُ للممرور وللساحر، ولكن قالوا: الساحر قَصدُه فاسد، والممرور ناقص العقل .. فجعلوا ما يَحصل للأنبياء من جنسِ ما يحصُل للمجانين والسحَرة، وهذا قولُ الكفار في الأنبياء، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ