للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما أهل التبديل: فهم نوعان: أهلُ الوهم والتخييل، وأهلُ التحريف والتأويل.

فأهلُ الوهم والتخييل هم الذين يقولون: إن الأنبياءَ أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر، وعن الجنةِ والنار، وعن الملائكة، بأمورٍ غيرِ مطابقةٍ للأمر في نفسه، لكنهم خاطَبوهم بما يتخيَّلون به ويتوهَّمون به أن اللهَ جسمٌ عظيم، وأن الأبدانَ تُعاد، وأن لهم نعيمًا محسوسًا، وعقابًا محسوسًا -وإن كان الأمرُ ليس كذلك في نفسِ الأمر-، لأن من مصلحةِ الجمهور أن يخاطَبوا بما يتوهَّمون به ويتخيَّلون أن الأمرَ هكذا، وإن كان هذا كذِبًا فهو كذبٌ لمصلحة الجمهور، إذ كانت دعوتُهم ومصلحتُهم لا تُمكِنُ إلاَّ بهذه الطريق.

° وقد وَضح ابنُ سينا وأمثالُه قانونَهم على هذا الأصل، كالقانون الذي ذَكره في رسالته "الأضحوية" (ص ٤٤ - ٥١)، وهؤلاء يقولون: "الأنبياءُ قَصَدوا بهذه الألفاظ ظواهرَها، وقصدوا أن يفهمَ الجمهورُ منها هذه الظواهر، وإن كانت الظواهرُ في نفس الأمر كذِبًا وباطلاً ومخالفةً للحق، فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطلِ للمصلحة".

ثم مِن هؤلاء من يقول: "النبيُّ كان يَعلمُ الحقَّ، ولكن أظهَرَ خلافَه للمصلحة".

ومنهم من يقول: "ما كان يعلمُ الحقَّ كما يعلمُه نُظَّارُ الفلاسفة وأمثالهم".

وهؤلاء يُفضِّلون الفيلسوفَ الكاملَ على النبي، ويُفضِّلون الوَلِيَّ الكاملَ الذي له هذا المشهَد على النبي، كما يُفضِّلُ ابنُ عربي الطائى خاتَمَ الأولياء -في زعمه- على الأنبياء، وكما يُفضِّلُ الفارابي ومبشِّرُ بن فاتك

<<  <  ج: ص:  >  >>