للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعظم الأدِلة عَلى صِدْقه.

° وأمَّا قراءةُ من قرأ (بظنين) بالظاء، فمعناه: المُتَّهَم، يُقال: "ظننت زيدًا" بمعنى: اتَّهَمْتُه، وليس من الظنِّ الذي هو الشعورُ والإدراك، فإن ذاك يتعَدَّى إلى مَفْعُولَيْن.

والمعنى: وما هذا الرسولُ على القرآن بمُتَّهم، بل هو أمينٌ لا يَزيدُ فيه ولا يَنقُص؛ وهذا يدل على أن الضميرَ يرجعُ إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه قد تقدم وَصفُ الرسولِ المَلَكي بالأمانة، ثم قال: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ}، ثم قال: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}، أي: وما صاحبكم بمُتَّهم، ولا بخيل.

واختار أبو عبيدة قراءة الظاء لمعنييْن:

أحدهما: أن الكُفار لم يُبَخِّلوُه، وإنما اتَّهموه، فنفيُ التُّهمةِ أَوْلَى مِن نَفْي البُخل.

الثاني: أنه قال: {عَلَى الْغَيْبِ}، ولو كان المراد البخلُ لقال: "بالغيب"؛ لأنه يُقال: فلان ضنين "بكذا"، وقلَّما يُقال: "على كذا".

° قلتُ: وُيرجِّحه أنه وَصَفه بما وَصَف به رسولَه المَلَكِي من الأمانة، فنَفَى عنه التُّهْمةَ كما وَصَف جبريلَ بأنه أمين.

وُيرجِّحه أيضًا أنه سبحانه نفى أقسامَ الكَذِب كلَّها عمَّا جاء به من الغيب، فإن ذلك لو كان كذِبًا، فإمَّا أن يكونَ منه، أوْ ممَّن عَلَّمه، وإن كان منه، فإمَّا أن يكون تعمَّده أو لمْ يتعمَّدْه، فإن كان من مُعَلِّمِه، فليس هو بشيطان رَجيم، وإن كان منه مع التَّعَمُّد فهو المُتَّهم ضدُّ الأمين، وإن كان عن غير تعمُّد فهو المجنون .. فنفى سبحانه عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك كله، وزكَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>