كانت الأمةُ قبلَه في سُباتٍ عميق، وفي حضيضٍ من الجهل سحيق، فبَعَثه اللهُ على فترةٍ من المرسلين، وانقطاعٍ من النبيين، فأقام اللهُ به الميزان، وأنزل عليه القرآن، وفَرَّق به الكفرَ والبهتان، وحُطِّمت به الأوثان والصلبان، للأمم رموزٌ يُخطؤون ويُصيبون، ويُسدَّدون ويَغلِطون، لكنَّ رسولَنا - صلى الله عليه وسلم - معصومٌ من الزلل، محفوظٌ من الخلل، سليمٌ من العلل، عُصم قلبُه من الزيغ والهوى، فما ضَلَّ أبدًا وما غوى، إنْ هو إلاَّ وحيٌ يوحى.
قُصارى ما يَطلبُه ساداتُ الدنيا قصورٌ مشيَّدة، وعساكرُ تَرفعُ الولاءَ مؤيَّدة، وخُيول مُسَوَّمة في مُلكِهم مُقيَّدة، وقناطيرُ مقنطَرةٌ في خزائنهم مخلَّدة، وخَدَمٌ في راحتهم مُعَبَّدة.
أما محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فغايةٌ مطلوبه، ونهايةٌ مرغوبه، أن يُعبَدَ اللهُ فلا يُشركُ معه أحد؛ لأنه فَردٌ صمد، لم يَلِدْ ولم يُولد، ولم يكن له كفوًا أحد.
يسكنُ بيتًا من الطين، وأتباعُه يجتاحون قصورَ كسرى وقيصر فاتِحين، يَلبسُ القميصَ المرقوع، ويَربِطُ على بطنِه حَجَرين من الجوع، والمدائنُ تُفتح بدعوته، والخزائنُ تُقسم لأمته ..