وقد يسير في رفقة الرجل المدعو الحصان خارص الأمير حسن، ومن زملائه في الكتابة محمد بن عيدان، كان والدنا يحدثنا أنه لم يكن في زمانهما أحسن منهما خطأ، فقدر أنه جاء أعرابي إليهما وجعل يسألهما هل يحسنان الكتابة؟ فازداد عجبهما به وكيف سولت له نفسه أن يبحث في هذا الموضوع حيث لم يدع القوس لباريها والسهم لراميها، فلما رأى الأعرابي أنهما ينكران علمه بالكتابة طلب قلمًا وورقة، ولما أن رأى القلم طلب أن يتولى هو بريه بنفسه، فأخذ سكينًا وبرى القلم مرتين وقطع في الثالثة رأسه -أعني القلم- وقال: أريد أن أكتب لكما فائدة، فكتب هذه الكلمات "الحمد لله الواحد القهار العزيز الغفار الملك الجبار" ثم ناولهما كتابته، فإذا هي آية في الحسن والجودة، وحقرا أنفسهما واستصغراها.
وكان والدنا رحمه الله جوادًا كريمًا محسنًا إلى الناس، شكورًا لنعم الله تعالى، ولقد أعطاه الله بسطةً في الرزق وسعة من المال في النصف الأخير من عمره، فكان يتمنى أن لو كان ذلك في حياة والده ليواسيه ويوسع عليه، وكان يأكل من كسب يده وعنده ثروة عظيمة، ويبذل الأموال في سبيل الخير والإحسان وصلة الأقارب، وله مقامات في الإحسان.
سمع مرة وهو جالس في دكانه رجلين يختصمان فاستمع إلى كلاهما فإذا قد اشترى أحدهما ناقة من صاحبه ولم يجد لها ثمنًا، وقد تبعه صاحبها يقول: ناقتي أو ثمنها وجعل المشتري يسائله بالله أن يصبر حتى يأتيه الله برزقٍ من عنده، فإنه لا يجد في الحال الثمن، فتعلق به صاحبها وأخذ خطامها من يده، فوقف المشتري مقهورًا لأن الناقة لها موضع عنده وما لديه قيمة لها، فقام الوالد وعد قيمتها "وكانت ١٣٠ ريالًا" فرنسيًا وجعلها في كيس وخرج يقول أين المشتري؟ خذ القيمة وادفعها إليه واذهب بناقتك، هذا وما كان يعرف البائع ولا المشتري غير أنه أحب أن يفرج عنه كربته ويبرد حرارة الطلب وحملته الأنفة العربية والمروءة الإنسانية إلى تلك الأريحية، وجادت يمينه أن تقرضه وهو لا يعرف شخصه، وكان يقول: يا ليتني سألته عن اسمه ومن أي جهةٍ كان.