وكان قد شجعهم جلالة الملك لما أن استلموا مرتباتهم، وأخبرهم أن القليل من علمهم كثير لأنهم سيقدمون على أمم جهال فاستقر كل منهم ببلدة، واستمروا في أعمالهم، فكان على قضاء أبو عريش الشيخ عثمان، وعلى جيزان الشيخ ابن عقيل، وعلى قضاء صبيا الشيخ ابن عودة وهكذا، وجعلوا يعلمون ويرشدون وينهون عن الشرك بالله والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، ويوضحون إخلاص العبادة لله وتوحيده، فكان لدعوتهم أثر عظيم يذكر، وأبانوا لأولئك الناس الذين طال عليهم الأمد واندرست فيهم معالم الشريعة لضعف الداعي وقلة الاعتناء بتقاليد الملة، فأصبحوا مبصرين وعن غيهم مرتدعين، وجعلوا يغرسون فيهم بذور الحق، ويدأبون في محق الباطل.
وما أحسن الغاية التي يقصدونها، والخطة التي يسلكونها، والضالة التي ينشدونها، نسأل الله تعالى أن يظهر دينه وينصر حزبه، ويرشد الجاهلين، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، هذا وإني ألفت نظر القارئ إلى ما لهؤلاء الأئمة الأمجاد والسادة الكرام الذين هم كانوا ذخرًا في الأزمات والأهوال والأنكاد، وهم آل سعود الذين طهر الله بهم الأرض من المصائب، ورفع بهم أعلام الهدى، حتى نالت أعلى المراتب، وجدوا في نصرة الدين، وبذلوا مهجهم في الجهاد لكبح المشركين، نسأل الله تعالى أن يجزيهم عن الإسلام والمسلمين خيرًا، وأذكرك بالله أيها المسلم ما قام به محمد بن سعود ونجله وحفيده، وما سار به على نهجهم الإمام تركي بن عبد الله ونجله فيصل، وسار على نهجهم أمير المؤمنين وخليفة المهتدين أبو تركي عبد العزيز بن عبد الرحمن الذي ذكرنا بعدله وهدايته ودينه وتوفيقه وآثار آبائه وأجداده، وإنها لمفخرة عالية لهذه المملكة وأهلها أن يقوم من بين ظهرانهم أولئك الأئمة الذين رفع الله قدرهم وأشاد في العالمين ذكرهم، أولئك الأسود الغطارفة الذين بنوا في الدنيا فخرًا لا ينسى، ونسأل الله تعالى أن يوفق أبناءهم ويهديهم لمكارم الأخلاق والتأسي بآبائهم وأجدادهم.
هذا ويعلم الله أني لست متآكلًا ولا مستجلبًا لعطاء، بل كنت أقرّ بالفضل