مخبأها، وكانت مكة هادئة صامتة، فكل من فيها قد اندفعوا إلى منى وعرفات، فعل كل حاج من مكة وغيرها، ولما أن وصل إلى المسجد الحرام يوم الجمعة وعيد بيوم الخلائق، فيه خشع منكسر الرؤوس قد استوى ملكهم وعبيدهم في اللباس والتواضع، شرع جلالة الملك في الطواف معه ولي عهده سعود ورجال حاشيتهما وحرسهما الخاص، وثلة من الشرطة بقيادة مفوض شرطة الحرم، وكان الحرس والشرطة تواكب جلالة الملك وولي عهده من الإمام واليمين والخلف والبيت على اليسار، ولا يفصل بين الملك ونجله أحد من الحرس، فعندما انتهى الشوط الرابع أكب الملك على الحجر الأسود يقبله، ثم تقدم في الشوط الخامس، ولما أن حاذى باب الكعبة إذا برجل يخرج من فجوة حجر إسماعيل الشامية منضيًا خنجره وهو يصيح بصوت مرتفع صياحًا منكرًا بكلام غير مفهوم تمامًا، فقابل لدى خروجه أفراد الشرطة الذين يسيرون في مقدمة الموكب الملكي فمسك به أحدهم قاصدًا رده، ولكن المجرم عاجله بطعنة من خنجره فوقع الشرطي الشجاع أحمد بن موسى العسيري على الأرض ودمه يقطر، فأمسك بالمجرم شرطي آخر هو مجدوع بن شبياب، ولكنه أصيب أيضًا بطعنة من خنجر المجرم، فمال إلى جانب رفيقه، وفي هذه اللحظة شوهد رفيق المجرم الأول يتقدم من خلف الموكب، والظاهر أنه خرج من الفجوة الأخرى لحجر إسماعيل، وجاء من جهة الركن اليماني إلى قرب الحجر الأسود، فاستعد رجال الحرس الملكي ببنادقهم، إلا أن جلالة الملك أصدر أمره المطاع في تلك الساعة الرهيبة الحرجة، بأن لا يستعمل الحرس البنادق والرصاص إلا حين الضرورة القصوى، فلما تبين أن المجرم الأول قد طعن شرطيين باسلين، وأن المجرم الثاني على وشك أن يصل إلى سمو ولي العهد، تقدم عبيد الله البرقاوي أحد الحارسين الخصوصيين لجلالة الملك فأطلق بندقيته على المجرم الأول قبل أن يتمكن من ارتكاب جنايات أخرى فخر صريعًا عند مدخل حجر إسماعيل.
أما المجرم الثاني فإنه تقدم مشهرًا خنجره، وكاد أن يطعن سعودًا طعنة نجلاء، وإذا قد بدره الحارس لسموه برمية من بندقيته فأردته قتيلًا في الوقت الذي لامس