من الرجل الفارس، فبعث بالحال إليه وأتي به مقيدًا بالحديد، وجاء العجمان على أثره ليشفعوا له، فابى إلا أخذ فرسه منه، ولما سلبها بعث الرجل أسبابًا يستجلبها، وكثرت الشفعاء لدى الأمير فناوله إياه، وبعدما أخذ بلجامها مغنمًا السلامة بعث معه برجل من رجاله وأوعز إليه بأن يشق بطنها ويقتلها.
وجاء إليه فلاح يشكو جمالًا بأنه أرسل بعيره وأكل ثمرة إحدى نخله، فدعى به إليه فأنكر ذلك، فقال: سنشق بطن البعير فإن كان البسر فيه فقد خسرته، وإن لم يكن كذلك فسيقوم صاحبك بغرامته، ففعل ووجد ذلك صحيحًا، وكان ثمرة ذلك أن أصبحت القوافل عن حديث هذا البطش الشديد والعدل السريع، تسير ثمانمائة ميل شرقًا وغربًا وثمانمائة ميل جنوبًا وشمالًا في ملك ابن سعود ثم لا يتعرض لها أحد بخير ولا شر، ولقد كان المترجم من أشهر أمراء ابن سعود وأكبرهم همة، وأشدهم تعصبًا للعدل، يجلس في كرسي القضاء والنظر في الجرائم وحده فلا تجلس معه الرحمة ولا المحاباة، فيأمر بالقطع والنطع ولا يبالي، وكان اسمه يرعب الجرمين وذكره يثير الخوف في قلوب العالمين:
فمن مثل عهد الله في الناس كلهم ... له سطوةً بين الورى في المشاغب
وكان لعمري آية في زمانه ... وذا همةٍ تسمو لعالي المناقب
له في التقى حظٌ وفي الحزم سورةٌ ... تظل لها صرعى رقاب الأجانب
وأهل الحمى تخشى بوادر بطشه ... فكلًا ترى من حادثات النوائب
يقضي زمانًا في المعيشة جاهدًا ... وليس له هم بفعل المعائب
يراقب ليثًا حاميًا لعرينه ... ثقيلًا على أهل الخنا ذا مخالب
له شيمةٌ تأبى الدنايا وهمةٌ ... تسامى بها فوق النجوم الثواقب
فحدّث عن الشهم الهمام فإنه ... بذكر العلا أوصافه بالعجائب
لقد أمن الله البلاد بعدله ... وسيفٌ على الفجار عطب المضارب
أبى الله أن يرضى عزيزٌ بخطه ... تخوله غير العلا في الطالب
لأن كنت يا عبد الإله معظمًا ... بذكر سرى بين الورى والسباسب