للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتخرج عليه وشرب من عذب زلالهما، وجدّ واجتهد حتى برع في علم التوحيد والأصول والفروع، وكان لا يحقر أحدًا أن يأخذ منه الفائدة، ولو شئت لقلت إنه كان إذا سألته عن مسألة وأنس مني إلمامًا بها يحرج مقامي في المصادر التي عثرت عليها فيها، وكثيرًا ما يبعث السؤال للعلماء كالشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، ويأخذ رأي العلماء في المشاكل ولا يتكبر ولا يتجبر.

ولما بلغ من العمر خمسًا وعشرين سنة جلس للتدريس بإجازة من شيخه عمر بن محمد فجعل يعلم في تجويد القرآن ويدرس فيه على طريقة التجويد والضبط، ويعلم في بقية العلوم فازدحم على مجلسه خلق كثير وجم غفير، وجثت التلامذة والأقران والشيوخ أمامه على الركب يقتبسون من فوائده، ويستفرغون منطوقه، وكان لا يسأم التدريس ولا يملّ، مكرمًا للإخوان، ويحب الكتب ويجمعها ويجعل لكل كتاب غلافًا من القماش، ولا يزال يقلب كتبه ويكثر لمسها ويحشمها ولا يثق على كتبه شريفًا ولا وضيعًا، وقد هيا لها دواليب من الخشب، وكانت مجالسه عامرة بالتدريس ليلًا ونهارًا ينتابها الأهالي والأجانب وهذه كيفيتها:

جلس للتدريس في بداية الأمر في المسجد الجامع في بريدة بعد صلاة العصر في تجويد القرآن، فكل تلميذ يقرأ ورقة، وغالب التلاميذ يدرسون في القرآن حفظًا، فإذا فرغت حلقة أهل القرآن شرع أناس يدرسون في كتب الحنابلة وغيرهم، ثم جلس بعد ذلك في مسجد آل مشيقح للتدريس، فكان إذا صلى الغداة تحلقت عليه حلقة لأخذ علم النحو ثم حلقة أخرى في علم قسمة المواريث، فإذا ما طلعت الشمس قام يتوضأ ويتناول شراب القهوة في بيته، وكان قد طلب منه الفاضل الجواد عبد العزيز بن حمود بن مشيقح والد الأسرة أن يشرف محله وبيته كل صباح لتناول القهوة في بيته لبعد بيت الشيخ عن المسجد المذكور، ولما لهذا الجواد الكريم من أريحية يده البيضاء التي لا تزال إذ ذاك تفيض على أهل العلم بالإكرام والاحتشام، ولما منحه الله من توفير العلماء وأهل الدين والفضل، غير أن الشيخ يفضل الذهاب إلى بيته لقضاء الحاجة والوضوء، وقد لا يبعد أن هذا الجواد الكريم