ماضين إلى أعمالهم آمنين مطمئنين في حراسة الأسطول الإنكليزي الرهيب فما راعهم إلا أن سمعوا من فوقهم دويًا كقصف الرعد يصم الآذان ويبعث الفزع في القلوب تنهد له الجبال الرواسي وتشيب منه النواصي، فتطلعوا إلى السماء مذعورين مأخوذين لينظروا ما دهاهم، فإذا السماء تمور مورًا وإذا جو الجزيرة كله ملئ بالطائرات، وما هي إلا لحظات قصار حتى هبط عليهم جنود المظلات ألوفًا مؤلفة بأسلحتهم المختلفة فملؤا آفاق الأرض وسدوا منافذ الطرق، ونظر أهل الجزيرة فإذا أرضهم وديارهم تموج بالعجلات والدبابات والسيارات والمراكب المختلفة التي تحمل الذخائر والمؤن والعتاد، ولم يمضِ على هذا الجيش العجيب غير دقائق معدودات حتى صارت الجزيرة في قبضته، وسرت الجنود كالجراد المنتشر يملأون الطرق يتجولون يطلقون المدافع فتنبعث نيرانها ذات اليمين وذات الشمال حتى غدت الجزيرة الأمنة المطمئنة كبركان منفجر، واستولوا على المطارات، وبما أن سربًا من طائرات الإنكليز شرعت تضرب الغزاة فقد قابلته ألمانيا في معركة رهيبة فوق الجزيرة وجعلت قاذفات القنابل تتهافت ساقطة محرقة فوق الأرض أو غائصة في أعماق البحر.
ولما قام أهل الجزيرة يكافحون مستميتين ضربتها ألمانيا ضربًا مزعجًا حتى طفئت الأسماك على ظهر البحر وأصلتهم نيرانًا حامية، وامتد اللهيب وأظلم الجو ثم نشر الألمان عيونهم وأرصادهم وبثوا طابورهم الخامس وأقلام استعلاماتهم في كل مكان حتى لم يبقَ شبر واحد من الأرض بعيدًا عن أعينهم الراصدة.
ولما أن استسلمت فرنسا في ١٧ حزيران ١٩٤٥ م دخلها هتلر على رأس جيشه الظافر المنتصر ووقف تحث قوس النصر الحافل بأسماء مواقع انتصاراته يستعرض جيشه الألماني المنتصر الظافر الذي تدفقت أفواجه وفرقه من شارع الجيش الكبير على ما سوى ذلك من الشوارع إلى مختلف الثكنات والمواقع التي أعدت لإيواء جيوش الرائخ، واحتلت القوات الألمانية بذلك الهجوم الخاطف على الجبهة الغربية في مدة لا تزيد على ٣٥ يومًا خصص منها ١٧ يومًا لاحتلال فرنسا.
ولما أن سحقت ألمانيا فرنسا التفت هتلر إلى بريطانيا التي أصبحت وحدها