وكان الملك المعظم صريحًا كعادته في مخاطبة الرئيس، ومن الكلمات الخالدة التي قالها أنه قال: لا أريد كتابات بل أريد أن تعطى الكلمة من عبد العزيز لروزفلت، ومن روزفلت لعبد العزيز وهذا حق، فكلمة من عبد العزيز فوق الكتابات والمعاهدات لأنه رجل شريف، ثم أبدى الرئيس روزفلت لجلالة الملك رغبته في تقديم طائرة أمريكية هدية تذكارية لهذا الاجتماع التاريخي، فقبل جلالته الهدية، ثم بعد ذلك سار جلالة الملك إلى ضفاف النيل فسلك الطريق برًا إلى الفيوم حيث نزل بفندقها الشهير أويرج دولاك القائم على بحيرة قارون المتربع في مكان جميل هادئ يعطره أرج الورد والرياحين ويلفه النسيم، إنه لموضع حسن يسحر الألباب فشرّفه ابن سعود كما شرّفه أقطاب العروبة، وكان قد أحيط بقوات بريطانية تحرسه ليلًا ونهارًا وقد أبعد عنه كل أحد، فما بقي غير المدير أبقي للاستعانة به عند الضرورة، فكان الناس بعد ذلك يغدون ويروحون دهشين ولا يعلمون ما سيجري من مباحثات خطيرة في سبيل العروبة، وفي سبيل الإسلام، وقد زود ذلك الفندق بكل ما يلزم للملك العظيم ولمرافقيه من رجال الحاشية، كما أعد نظام واسع للتلغراف حتى يتسنى لجلالته أن يتصل بمملكته المترامية الأطراف، فكان يستقبل كل يوم عديدًا من المرات التقارير ويصدر الأوامر إلى رجال دولته، كما لو كان في مكة والرياض.
ولما قدم الأوبرج ٣/ ٣/ ١٣٦٤ هـ وقت العصر من يوم الجمعة ما كان يشرفه حتى أسرع إليه فاروق ومعه الرئيس شكري القوتلي فاستقبلهما ابن سعود استقبالًا رائعًا وعانقهما وأبدى ما يضمر لهما من المحبة، وقضوا بضع ساعات في تناول الحديث والبحث في الشؤون العربية الهامة، وقد طاب الحديث بين هؤلاء الأقطاب الثلاثة، ولقد طال الحديث في الموضوعات حتى تأخروا عن مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس شكري مساء الجمعة بدار المفوضية السورية لخطورة الموضوعات التي تناولوها وانهماكهم في الحديث، ثم غادر فاروق والرئيس مودعين جلالة الملك عبد العزيز خير وداع.