محمد فوق ما قيل عنه كرمًا وجودًا ورجولةً، ولقد زارني في صحبة الشيخ عثمان ابن أحمد بن بشر، وكان إذ ذاك قاضيًا في بلاد الأسياح، وجاء بالأمير للسلام على وعمري يومئذٍ لا يتجاوز الحادي والعشرين، فرأيت الرجل من أفذاذ الرجال، ومن خيرة أهل زمانه، وكان عاقلًا شريفًا.
ولد المترجم في سنة ١٣٠١ هـ ونشأ على العفاف والسخاء، يطعم الطعام، ويتصدق على الفقراء، ويحنو على ابن السبيل، ويساعد المحتاجين، ويحب أهل الدين، ويميل إليهم، ويمقت الشر وأهله، فأما عطفه على الفقراء والمحتاجين فحدثّ ولا حرج، وكان محترمًا في قومه وعشيرته.
ونورد قصة تدل على عطفه وإحسانه، وماله من الأيادي الجميلة، فإنه لما كان في المسغبة التي وقعت في سنة ١٣٢٧ هـ ركب حصانه في إحدى الليالي من آخر الليل لحماية زرعه من السرقة فوجد أربعة من الرجال قد دخلوا في الزرع وأكلوا ما حواليهم من السنبل لما هم فيه من شدة الجوع، فلما رأي حياضًا في وسط الزرع خالية من النبات أقبل عليها يهتدي بنور القمر، فوجد أولئك البؤساء، فخجلوا لما رأوا الأمير وقالوا هذا الرعوجي فكيف نصنع؟ ووجموا وسكنت حركاتهم خوفًا منه، فلما رأهم بهذه الصفة رق لحالتهم وسكن روعهم وتكلم قائلًا: يا أولادي خذوا لأولادكم فأنتم مني في حلّ، خذوا وأكثروا، اللهم ارفع ما أنزلت بالمسلمين وارحم ضعفهم، لا بأس عليكم يا أولادي، فنزع كل واحد منهم ثوبًا من ثيابه وملأه سنبلًا وذهبوا يحملونه على رؤوسهم إلى أهاليهم، وكثيرًا ما يمنح الضيف إذا ارتحل عدل بن لأولاده، وله مناقب كثيرة.
ولما مات خلفه في الإمارة ابنه زيد بن محمد.
وممن توفي في هذه السنة من الأعيان رجل الدين والعلم والفضل الشيخ محمد ابن مقبل رحمة الله تعالى عليه، وهذه ترجمته:
هو الشيخ العالم الزاهد، ذو الصدق والمعرفة، الرزين الألمعي، محمد بن مقبل ابن على آل مقبل.
كان المترجم ابن أخي الشيخ سليمان بن على بن مقبل قاضي بريدة منذ مائة