أخرى، ووقعت فيضانات تغرق الأراضي، وفي منطقة جروسيتو فاضت مياه نهر أمبروني وأغرقت آلاف الهكتارات من الأراضي، وفاضت مياه البحر حتَّى اكتسحت الساحل.
وفي ليلة ٢٩ صفر فشت ظلمة شديدة في القصيم حتَّى كان الإنسان لا يبصر شيئًا، وكان وقتها رعود وبروق وصواعق، حتَّى توقفت الأمة عن السير.
ولما أن كان في النصف الأخير من محرم دعى جلالة الملك بأناس من العلماء إلى مكة المشرفة، ومن هؤلاء العلماء الشيخ عمر بن حسن آل الشيخ، والشيخ الفاضل عبدِ الملك بنُ إبراهيم آل الشيخ، ومنهم الشيخ عبدِ الله بنُ محمد بنُ حميد يساعده الشيخ الفاضل ناصر الوهيبي، جعل الأخران كهيئة تمييز للنظر في الأحكام التي طالما قام أهلوها يتظلمون أمام صاحب الجلالة.
كما أن آل الشيخ جلبوا هناك لتعزيز جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأضيف إليهم أعضاء وعلى رأسهم فضيلة الشيخ علي بنُ فراج، فلبث الشيخان عبدِ الله وناصر يزاولان تلك الأعمال ثمانية شهور ويتنقلان في مكة والمدينة وجدة والطائف، ومن في صحبتهما من الأعضاء الملتحقين بهما.
ولما أن كان في جمادى الثانية في برج الحوت هطلت أمطار غزيرة على القصيم، وتوالى وقعها بعد جدب وقحط، ولحصوله حوالي فصل الربيع فإن الأرض اهتزت لذلك وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، وأخرجت الأرض أنواع الكلأ حتَّى جمع الناس من العشب شيئًا لم يعهد مثله في هذه الأزمان القريبة.
ولقد رأيت بعض رياض البطين في حال ازدهارها بالأعشاب، ومن ذلك روضة سليمان في البطين المشهورة لدى العامة، قد بنيت فيها الخيام ويتدفق فيها الماء النازل من السماء، والأمة إذ ذاك تحصد أنواع الأعشاب، فكان الجالس فيها يواريه العشب، ومن الناس من يستحصل في ضحوة واحدة حمل ستة حمر، وهذا شيء نادر الوقوع، فسبحان القادر على كل شيء:
رياض سليمان تفوق بحسنها ... كساها إله العرش ثوب الأزاهر