الحرث والنسل حتى قيّض الله سيد الجزيرة وعاهلها عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل، فأبدل من خوف البلاد أمنًا، ونشر في ربوع شعبة العلم، وبث فيه الإقبال على العمل والكد، فعمَّ الإصلاح طول البلاد وعرضها.
وكان من ذلك هذا المشروع الزراعي الضخم بالخرج الذي بوشر في تأسيسه وتوجيهه منذ أربع عشرة سنة، وكان القائمون به إذ ذاك عراقيين وسعوديين وفلسطينيين ومصريين، وقد استخرجت الحكومة وادخرت من الثار مبالغ لا بأس بها ورغبةً في زيادة أرقام المحصول في هذا المشروع، ومسايرةٌ للتطورات الجديدة في فنون الزراعة رأت حكومة جلالة الملك المعظم عبد العزيز أن تستوفد بعد التأسيس بخمس سنوات من الولايات المتحدة بعثة للزراعة لتعليم السعوديين وإرشادهم إلى ما يجهلونه من النواحي الفنية للزراعة الحديثة، فوصلت هذه البعثة وهي مكونة من ثلاثة خبراء: رئيس وهو روجرز دايفد وكواس، مدير مزارع السهباء، ومدير مزارع السيح مستر أمرك، وبعد مدة وجيزة من وصولهم أمنوا جميع وسائل الحراثة، ومن ثم شرعوا في توسيع نطاق الزراعة من الحبوب والخضراوات والعلف، علاوة على المغروسات الثابتة من الأشجار والنخيل والأثل، وانه لحق إذا قيل أنهم عملوا عملًا يذكرون به نظرًا لما أسسوه، وما قاموا به من تعمير واصلاح إنتاجه ظاهر، وحينما انتهت مدتهم وتسلم العلم بعدهم بعثة ثالثة برئاسة سام تي لوقن الذي كان محافظًا على عمله، محبوبًا من العمال والمزارعين والموظفين، وبعدما استقال باشر العمل خلفه الرئيس فرنك بروك شير الذي عرف عنه الحزم والجد والإخلاص في العمل، وبتوفيق الله ثم اهتمامه أنتجت المزارع هناك إنتاجًا كثيرًا، ويمتاز هذا الرئيس الأخير أنه أفسح المجال لبعض السعوديين ممن عرفهم ودربهم على شؤون الإدارة والعمل قبل توليه الرئاسة العامة للمزارع، وجعلهم يقومون بالأعمال إبدالًا عن أناس أمريكيين، وقد كثر المنتوج، وتقوم الزراعة جميعها على الآلات الحديثة من حراثات وبذارات وحصادات وذراءات وسمادات، وغير ذلك من آلات أخرى أحضرها.