وباشا البصرة بمعسكره وقاتلوهم قتالًا شديدًا حتى أخرجوهم من النخيل، ثم حصل القتال الشديد في الصحراء بين الفريقين، وصارت الهزيمة على عربان المنتفق ومن معهم من العجمان، وقتل منهم خلق كثير، وظهر من أهل نجد الذين حضروا في الواقعة مع سليمان بن زهير شجاعة عظيمة دلت على كفائتهم وبسالتهم.
وكان سليمان بن زهير يعد من أفراد رجال الدهر عقلًا وحلمًا وكرمًا وشجاعةً فقال في مدحه السيد عبد الغفار بن عبد الواحد بن وهب البغدادي المعروف بالأخرس الشاعر المشهور هذه القصيدة العصماء، وامتدح أيضًا فيها من معه من أهل نجد، وكان الشاعر قد حضر الواقعة فباح بما لديه منوهًا مبجلًا وهي من البحر الطويل:
أبى الله إلا أن تعز وتكرما ... وإنك لم تبرح عزيزا مكرما
تذل لك الأبطال وهي عزيزة ... إذا استخدمت يمناك للباس مخدما
ويا رب يوم مثل وجهك مشرقًا ... لبست به ثوبًا من النقع مظلما
وأبزغت من بيض السيوف أهلة ... واطلعت من زرق الأسنة أنجما
وقد ركبت أسد الشرى في عراصة ... من الخيل عقبانًا على الموت حوما
ولما رأيت الموت قطب وجهه ... والفاك منه ضاحكًا متبسما
سلبت به الأرواح قهرًا وطالما ... كسوت بقاع الأرض ثوبًا فعندما
أرى البصرة الفيحاء لولاك أصبحت ... طلولًا عفت بالمفسدين وارسما
وقالوا وما في القول شك لسامع ... وإن جدع الصدق الأنوف وأرغما
حماها سليمان الزهيري بسيفه ... منيع الحما لا يستباح له حما
تحف به من آل نجد عصابة ... يرون المنايا لما أبالك مغنما
رماهم بعين العز شيخ مقدم ... عليهم وما اختاروا إلا مقدما
بصير بتدبير الحرب وعارف ... عليهم فلا يحتاج أن يتعلما
أبناء نجد انتمو جمرة الوغى ... إذا أضرمت نار الحروب تضرما
وذا العام ما شيدتموه مبانيا ... من المجد يأبى الله أن تتهدما