وذهلوا أموالهم ونسوا أولادهم وهنالك لا ترى أحدًا يلتفت إلى أحد، وعجت الخليقة إلى ربها وفاطرها فلا تسمع بإذن من الصراخ والبكاء والضجة واختلط الحابل بالنابل وقام ضعفاء النَّاس متشوشين فصعدوا إلى رؤوس المنائر وجعلوا يكبرون وينادون بالأذان في منتصقف الليل وسمعت ضجة عظيمة للخلائق هذا يؤذن وذاك يصرخ والآخر يئن ويصيح من البلل وشدة البرد ونزلوا في الفضاء والتجأوا إلى شجر الإثل الذي لا يغني عنهم شيئًا يهطل عليهم الماء من فوقهم ويفيض من تحتهم، والقليل منهم التجأوا إلى ظل خيام صارت أشبه شيء بزرائب الحيوانات من كثرة من ينطوي تحت سقوفها. وكنت لمَّا ذهبت إلى مسجدي لصلاة الفجر وجدت القوم صفوفًا في رحبة المسجد تهطل الأمطار عليهم فلما استفهمت منهم أجابوا بأنَّ العوائل من النساء والأطفال في الخلوة والمصابيح لا تغني شيئًا من الخرير ولمَّا خرجت الأمة إلى الصحاري افترشوا الغبراء فكان غالبهم الأرض فراشهم والسماء غطاؤهم بعد التقلب على الآرائك الأثيرة وأصبحوا جياعًا بعد التلذذ بصنوف المأكولات وأصبحت منازلهم أطلالًا بعدما كانت قصورًا شامخة وانقطعت بهم السبل فلا السيارات تصلهم ولا الطائرات تهبط عليهم. هذا وقد تهدمت مساكنهم على أموالهم وأثاثهم وأرزاقهم وأصبحوا معدمين إلَّا من رحمة الله ربهم ثم عطف حكومتهم وبني جنسهم ممن لم يصابوا بمثل مصيبتهم وقد اختطوا مساجد في الفضاء بعدما تهدمت بعض المساجد وبقيتها لا تكنهم سقوفها بعد ما كانت عامرة. وسقط المسجد الجامع في بريدة فوزع الأهالي في صلاة الجمعة في ثمانية مساجد لأنَّه لم يبقَ من الجامع إلَّا أكواخ قليلة، واستمرَّ هطول الأمطار إلى اليوم ٢٧/ ٥ ثم أعقب ذلك ظلَّ وغيوم. هذا وما كان النَّاس يستطيعون دخول البيوت إلَّا لأخذ الطَّعام ثم يعودون وهجرت البيوت والمساكن وظلت خاوية على عروشها. ولقد حاول البريد الجوي الهبوط في مطار بريدة فلم يستطع إلى