كانوا يواجهون في هذه السنة والتي قبلها اعتداءات الفرنسيين بثبات وصمود لا تزعزعه قاذفات الصواريخ المحرقة ولا المدمرات الهدامة ولا نيران المدافع إذا كان الجزائري يقع على الأرض شهيدًا وما زال أهل الجزائر صامدين أمام دولة كبرى عريقة في الجلاد خبيرة في القتال والحرب وليس لديها ذرة من رحمة ولا هوادة ولا عطف بل كانت وحشًا كاسرة تقتل الشَّيخ الهرم في متعبده انتقامًا والعجوز الفانية والطفل في مهده وتستبيح كل المحارم وليس لديها ذرة من خلق ولا خردلة من شفقة ولا جناح بعوضة من إنسانية.
وفي أخريات رجب اشتدت الوطأة على الجزائر من ضرب فرنسا وقاسى الأهالي تقتيلًا وتدميرًا وإرهابًا وتعذيبًا وتشريدًا ولكنهم مع ذلك مستميتون في سبيل الدفاع والنضال ثابتون ثبات الرواسي الشوامخ وقد حملوا السلاح عن بكرة أبيهم رجالًا ونساء. حتَّى جاء عن مواطن جزائري لصديق له في المملكة العربيَّة السعودية رسالة يصف فيه الفظائع التي فعلتها فرنسا قال فيها: لا يخفى عليكم حالتنا اليوم في الوطن الجزائري أن جسدي كله مطعون بخناجر الاستعمار الغاشم الفرنسي ولم يسلم منه أحد من الأسرة ونعرفكم باستشهاد الأخ الأستاذ أحمد رضا وسبب إعدامه أنَّه وجهت إليه تهمة المستعمرين باغتيال مدير شرطة قسطنطينية هو وثلاثة وخمسون شخصًا معه كلهم أعدمهم الفرنسيون عن بكرة أبيهم كما أعرفكم بابنه مصطفى إنَّهم أعدموه أيضًا ومعه تسعة من الأسرة. أمَّا الأسرة فكل من يستطع حمل السلاح صعد به إلى الجبل مع جيش التحرير وبعضهم في السجون وما بقي في البلد إلَّا النساء وحدهن. ومما قال الشَّاعر اللبناني وديع ديب يصف حالة بعض البؤساء ويبوح بذكر الآلام المجتمعة وتحسسه بها، وبذلك تتجلى إنسانية هذا الشَّاعر في وصفه لبائع البسكوت:
يا بائع البسكوت ما طعمه ... هلا كفاك العيش يا بائع