الإمام عبد الرحمن الفيصل في الرياض ثم كان إمامًا وخطيبًا في المسجد الحرام وحضر قتال جدة في معية جلالة الملك وآخر الوظائف رئاسة القضاة أسندها إليه لمَّا استولى على الحجاز بعد فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد تولاها ثلاثين سنة أو تزيد ولقد كان عالمًا وداعية إلى الحق وصلبًا في دين الله إذا اقتنع بعدالة قضية من القضايا لم يستطع أحدً كائنًا من كان أن يحوله أو يحول دونه ودون تنفيذها وكان في أحكامه لا يتأثر باتجاه أحد أو رأيه مهما كانت مكانة أحد من الناس، وكان ذا جاه عظيم ويسمع كلامه ويخضع لأوامره ونواهيه ولقد شغل هذا المركز الكبير الخطير فكان موضع الإِعجاب وصفة الأب الحنون والرئيس المنصف والحاكم العادل الذي لا تميل به الغرائز البشرية عن مناهج الحق والعدالة ولا تنطوي عليه مواطن الحيف والهوى. ولقد كان محبوبًا ومرهوبًا ولم يكن له أعداء بالرغم من وقته وهيبته وعاش عزيزًا كريمًا مهابًا ومات عزيزًا كريمًا مهابًا لم يستطع أحد أن سجل عليه طيلة حياته المديدة موقفًا واحدًا من المواقف التي تعيب العلماء أو تنال من مكانتهم في النفوس وكان محظوظًا لدى آل سعود لما قام به من حسن السياسة ودماثة الخلق وطيب السريرة، أضف إلى حسن تدبيره أنَّه قوي وذو صلابة في الحق والغيرة على الحرمات والتمسك بالمثل العليا وثبات على المبدأ مهما بلغت قوة التيارات التي تتقاذف حوله وما كان في قسوته في بعض المواقف وصرامته في بعض الأحكام ليكون مكروهًا والسر في ذلك حسن نيته. وقد رأيته مرة جاء لتفقد واعظ في المسجد الحرام لم يؤذن له في الوعظ وسألني عن أبي موضع كان يجلس فيه وقال: إن وجدته فأخبرني عن موضعه. فكان ربعة من الرجال قد لوحته الشمس عليه أثار الهيبة والتعظيم وحدثني الرجل الزكي المحب في الله عبد العزيز بن إبراهيم الحسين أنَّه اشترى بقرة له ولرفقته في الحج ضحى يوم عرفة ليذبحوها هديًا من الغد فوسمها في الرقبة وواعد الراعي أن يأتيه بها صباح الغد يوم العيد