مطمئنون بوجود الماء وشراء علف للإِبل التي كانت تحملنا إذ لا يشق في الأسفار كقلة الماء فهو الذي قد تجري المنازعات في تحصيله وربما حصل من بعض الأعراب أذى لدى الآبار ومصانع طريق مكة وقد كانت السابلة من الحجاج كذلك يسيرون وتختلف الأمة باليسر والعسر والركوب والمشي كل على حسب مقدرته. فمن الخلائق من يكون راكبًا على الكور ورحله خرج مزركش ومزين بذباذب وميركه وخطام جميل ومنهم من هو أقل من ذلك حتى قد يكون الفقير يسير إلى مكة راجلًا فلا يحصل على الركوب بل يسير مع الأمة راجلًا. وقد نبه الله على ذلك بقوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧)} ومنَّا من يحتطب ومنَّا من يستقي الماء وآخرون يصلحون الطعام والقهوة ويحزمون العرى ويعلقون على الإِبل. ولمَّا أن كان في غداة ١٦ سرنا متوجهين إلى وجهتنا كان الحجاج هناك تسمع منهم إذا مشوا صياحًا وقطعوا مسافة ثلاث ساعات أو أقل أو أكثر ينادون ضحوا يرددون هذه الكلمة فينزلون إلى الأرض والمطايا واقفة على ظهورها الحمول ويتناولون ما تيسر من القهوة وشيئًا من الأكل القليل ثم يواصلون السير. فوصلنا إلى الحجناوي وهذه ثالث مرحلة فنزلنا هناك حوالي مزرعة، هذا والحجاج في أتم أهبة لتكبد المشاق. وقد وافق هذا الوقت من الفصول آخر الشتاء وشدة البرد في أوائل برج الحوت، ثم سرنا من ذلك الموضع إلى شعيب الأرطاوي بعدما مررنا بالقشيعين وعبيل المرو، ثم سرنا من ذلك الموضع حتى جزنا بجبل غير والمرة فوصلنا إلى الشبيكية وكانت هجرة ضعيفة لما قدمنا إليها كانت إبل السانية هزيلة فأبدلها بإبل أخرى وذلك كمساعدة ليشرب النَّاس وإبلهم ونجتاز في تلك الطريق باللعاعة وطفخة وضرية وكانت هجرة للبادية ويوجد فيها إذ ذاك شيء قليل من بيع الأغراض في دكان أو دكانتين فتجد الحجاج إذا مروا بهَا يتغنمون تفقد زادهم ليأخذوا زيادة أو يُودّعوا عند المطوع فيها ما كان مثقلًا