لهم فيأخذوه في الرجعة لأنَّها آخر موضع يوجد فيه جلب الطعام والشراب لأن ما بينها وبين مكة المكرمة إذ ذاك صحارى لا يوجد فيها شيء من الموجودات وهناك نمر بعريق الدسم وهو عبارة عن كثب من الرمال ثم الغثمة. أمَّا الشعب فإنّها آبار بعيدة القعر بين جبال حجارتها سود ثم إذا سرنا فإنّا نمر بالخال ثم الدفينة وكانت إذ ذاك آبارًا لا قاطن فيها. وها قد مرَّ علينا عشرة أيام من حين خروجنا من بريدة وبعدها قباء وكانت آبارًا في قطع من الصحاري يمتاز ماؤها بكثرة، وإذا تجاوزناها فإنَّا نصعد مع الحرة وكانت طريقًا ضيقًا صعب المرتقى قد يصعد في جزء منها بدرج. وإذا ما وصلها الحجاج فإنَّهم يعانون منها شدة ومشقة فإنَّها بحجارتها العظمى تكاد أن تحطم قوائم الإِبل وكم قد هلك فيها من جمل وحفيت منها من مطية وسقط من راكب وخاف من شجاع فإذا ما جاوزها النَّاس فإنَّهم يقفون يستريحون كأنَّما خرجوا من بحر لجي وبما أنَّ هذه الحرة هي مجمع الطرق إلى مكة فإنَّ الحجاج يأخذون في حفر الوسوم في روضة هناك ليعلم من يمر من أقربائهم بأنَّهم حجوا حتى يطلبوهم في مكة المكرمة ويرى آثار تنقية للطريق نوعًا ما قد قامت بها زبيدة زوج أمير المؤمنين هارون الرشيد وآثار جوابي من أعمالها أيضًا وآثار أعلام قد امتدت من العراق إلى ذلك الموضع يسميها المسافرون المنقى وهذه الآثار موجودة حوالي الوجه أيضًا ومركز بدى التي خلف مدائن صالح إلى جهة الشمال وتدل رؤيتها على عظم أسباب قامت بها زبيدة ثم انتهت بإجراء العين المنسوبة إليها لسقيا أهل مكة فندعو لها بالغفران ونترحم عليها. وهكذا نسير مع المنقى إلى موضع يسمى أم الصلابيخ ثم إلى مران المشهور بكثرة مياهه الغزيرة وفيه أشجار نخيل تنبت الدوم بكثرة. وفي سبيل الله ما يلاقي الحاج من الكلفة والمشقة تارة راكبًا على الكور ويمل الركوب لطول السفر وربما انزعجت الراحلة فسارت على غير نظام حتى يخشى الراكب من السقوط على الأرض وهذا إذا ما