درهمت الراحلة ففي الصعود تسير ببطء وفي النزول تسير سيرًا همجيًّا وتارة يمشي المسافر فيتعب جسمه وتتقرح قدماه من نسف الحجارة وصدمها وتتعرض للشوك والأذى ولا يضيع لدى الله عمل عامل. كيف وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام لعائشة في أمر الحج:"إن لك من الأجر على قدر نصبك ونفقتك". وهذه عادة الله التي أجراها في الحج قبل وجود السيارات وقد وافق لذلك جدب وقحط ويبست الأشجار فغالب زاد الإِبل من قوت الحجاج الذي تحمله على ظهورها ومن مورد مران يستعد الحجاج لركبه ويأخذون أهبة من الماء لاستقبال ركبة التي لا يوجد فيها ماء إذ هي فلات من الأرض وقد تكون مرحلتين فإذا بدت جبال ذات عرق -الظريية-.
فقد تمَّ للمسافر ستة عشر يومًا. وإن ركبة لمرتفعة جدًّا كان الأمة من مبتدأ السير يصعدون وقد ذكر بعض الجغرافيين أنها أعلى بقعة في الأرض ثم نأخذ في النزول إلى الميقات ذات عرق المذكورة وهي التي وقتها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل العراق فإذا ما أحرم المسلمون منها كما قال العراقي في قصيدته:
ونادى مناد للحجيج ليرحموا ... فلم يبق إلّا من أجاب ولباه
وجردت القمصان والكل أحرموا ... ولا لبس لا طيب جميعًا هجرناه
فمن الميقات نسير إلى عين الليمون أو المضيق وهناك عقبة يجتازها ثم إلى البرود وإلى العدل ثم نصل مكة المشرفة فعشرون يومًا والحاج في شد ورحيل. أمَّا ما كان عن ركبة فهي أرض مستوية واسعة جدًّا وخالية من الجبال لا ترى فيها إلَّا شجر الطلح والسلم وفيها نوع من الشجر المذموم في القرآن وهو الضريع وشجر العشر ولله الحكمة في جعل مكة من بين تلك الجبال والمضايق ولو شاء لكانت في ذلك المتسع. ولكن الحكمة قضت أن لا يكون الحج في موضع زراعة وموضع رفاهية بل موضع عبادة وزهادة بحيث يكون من قضى نسكه فإنَّه لا يقيم بل يرحل ويترك الموضع