وصفت جنازته في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام بأنَّها أضخم جنازة عرفت في العصور الأخيرة. اللَّهُمَّ وفقنا تكثر من المصلين علينا والحاملين لنا إذا متنا واحرسنا من فتنة الدنيا وغرورها. إنَّ هذا الذي خرجت المدينة بأسرها مع جنازته لم يكن ثريًّا ولا أميرًا ولا وزيرًا ولا قاضيًا ولا موظفًا مرموقًا بل كان رجلًا فقيرًا معدمًا وصالحًا إذا ذكر الصالحون أو العباد والزهاد والأدباء والعلماء الصرحاء:
فلو كان الفداء يرد ميتًا ... فديتك بالطريف وبالتلاد
ولو كان البكاء يفيد شيئًا ... بكاك الأكثرون من العباد
ولكن البكاء يزيد نحوًا ... يسر الشامقين من الأعادي
هكذا وجدت بقلم واضع هذه الترجمة فيصل المبارك وإني لأثني على من قامت به هذه الصفات التي هي الزهد والورع والتقشف وخفض الجناح والإِحسان إلى من قصده للسؤال والاسترشاد ولم يكن مشاحنًا ولا حقودًا. فالله المستعان. وقد رأيته مرة في سباخ بريدة النخيل المسمى فيحان لأنَّه كان يزور القصيم في كل سنة إذا ما أينعت الثمار في الصيف ويوضع له بالليل فوق تلك الرمال العذبة مجلس حافل ويخرج إليه بالليل والنهار أناس يفرحون به ويحبون الاجتماع به فيكون موطوء العقب لأنَّه لا يقل عدد الذين يمشون خلفه إذا زار تلك المنطقة عن مائة وخمسين رجلًا فكان نحيف الجسم قصير القامة محدودبًا أصفر الوجه، وذلك في عام ١٣٥٦ هـ. والصحيح أنَّه أقل مما رفعه إليه في الدرجة بعض أحبابه وأفْرطوا في مديحه وغلوا فيه وأرفع درجة عما تنقصه بعض المتفرضين لأنَّه كان والله يغفر له معاندًا ولا يبالي في مجالسة أحد من الخلق سواء كانوا صالحين أو طالحين، ولكل جواد عثرة. ومن جهة أخرى فقد كان يضرب في الأرض كثيرًا ويسافر إلى الأمصار ويجلس بها ويجتمع بعلماء غير محققين، وعليه مآخذ، كان يلبس العقال فوق رأسه لأنَّه لا يداري ولا يبالي بأحد ومدارات