عليهم محمد وأصحابه، فانهزم أهل عنيزة وقتل منهم أربعمائة مقاتل، وإن عددًا يبلغ ذلك ليضعف العدو ويكسر شوكته، فاحتصر أهل عنيزة في بلدهم، وأقام محمد بن الإمام هناك وأمر على من معه من الجنود بقطع نخيل الوادي فقطعوا غالبها ودوى ذكر هذه الواقعة بواقعة المطر؛ ثم قدم على محمد بن الإمام في منزله ذلك طلال بن عبد الله بن علي بن رشيد في بقية غزو أهل الجبل.
ولما أن جاءت الأنباء إلى الإمام فيصل وأن هذا الجيش لم يسفر عن كبير شأن، بل انهزم محمد؛ ثم كر على أهالي عنيزة وانتصر وقطع النخيل عند ذلك دعى فيصل بمحمد بن أحمد السديري، وأمره أن يتوجه إليه بغزو أهل الأحساء، فقدم محمد بن أحمد إلى الرياض بغزوه، وذلك في شعبان ثم أمر الإمام فيصل على ابنه عبد الله بن فيصل أن يسير بهم وببقية غزو بلدان المسلمين، فخرج عبد الله بن الإمام بمن معه من الجنود ومعهم المدافع والقوس، وأوصاه أبوه بوصية قال فيها: إن طلبوا الصلح فأجبهم إليه وإياك وحربهم، وهذه سجية فطر عليها ذلك الإمام نسأل الله تعالى أن يثيبه عليها الجنة وأكد على ابنة في ذلك.
وكنت أظن أن الله تعالى إنما مكن له ونصره وأعزه وأظفره بأعدائه لما قام به من الرأفة والرحمة والشفقة على الخلق، وإلا فلو تركت هذه الجيوش وشأنها لالتهمت عنيزة التهامًا؛ ولما سار محمد السديري بغزو الأحساء كان معه الشيخ أحمد بن علي بن مشرف فقال هذه القصيدة فيما يتعلق بالمعنى:
خرجنا والأمير بنجم سعد ... نقود الخيل بالإبل الرسيم
تدوس بنا الحصا في كل فج ... فتورى القدح في الليل البهيم
نهضنا للجهاد بلا توان ... سوى قدر الترحل للمقيم
لنجمع لأمة الحرب كنا ... نداولها لذلك من قديم
فسار الجيش مثل البحر هبت ... عليه العاصفات من النسيم
قبائل من عقيل قد توافقت ... وقوم ينتمون إلى تميم
يؤم ابن الإمام بهم جميعًا ... عنيزة وهي في أرض القصيم