وكان القاضي في بلد بريدة فضيلة الشيخ سليمان بن علي بن مقبل، وهذه أقضيته وتصديراته لا ترى فيها شيئًا مما يستعمل في هذه الأزمنة من حسن الإنشاء وتنميق الكلام والتقعر في الفصاحة وتشقيق العبارات وتحليتها، كما نشاهد من أقضية الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم والشيخ عبد الله بن سليمان بن بليهد قاضي بلدة حائل.
أما الشيخ سليمان فكان يجري في مجلس خصومته عجائب من تحمله للعثرات وفراسته الغريبة، منها أنه حضر لديه خصومة فأكثروا اللجاجة والترديد، فلما أتعبوه قام موليًا يقول: أنتم يا أهل العيون لا تفهمون ولا تخلصون، فلحقه بعضهم يقول بعدما جبذه بردائه اجلس رحمك الله يا شيخ فإنما جعلت لمن لا يفهم ولا يخلص، أما من يفهم ويسمع فلا يصلك، اجلس فإنما نصبت للأعوج تقيمه.
ومن فراسته أن عجوزًا ذهبت إلى دار قوم في وقته كان عندهم مائدة عشاء فتقدمت العجوز عند فراغها تطرق الباب كأنها رسول سلطان كعادة الثقلاء، ومن قل حيائه من الطفيلية والأغبياء، فجاءت ربة البيت وعنفت الكلام لهذه الجراءة، فأجابت عجوز السوء للمرأة تشفيًا بقولها لم أجيء نحوكم للطعام وإنما أمانة في عنقي كلفت أدائها بأن زوجك أخوك من الرضاعة والسلام، وذهبت كالريح العاصفة، فلما ألقت هذه المقالة كان جوابها إرسال العبرات من المرأة المسكينة، واجتمع عليها بثها وحزنها وترك الطعام في المواعين، وأهان الداعي للمدعوين فما كان ليلة أطول من ليلتهما، وانبعث الزوج مسارعًا لما طلع الفجر إلى الشيخ سليمان ليكشف هذه الغمة، فلما جاءه وقص عليه القصص، قال ائتني بها إن كنت تعرفها، فدعى الرجل بالعجوز وأجلسها بين يدي الحاكم ليأخذ المسألة من فيها وكلمها مخاطبًا؟ نريد يا أمة الله الفرق بين هذا وزوجه، فإن كنت على يقين فتكلمي وإلا فحققي، أجابت العجوز أيها الشيخ إني لست بأمير ولا قاضي إنما أخبر عن الواقع، ومن اهتدى فلنفسه ومن أساء فعليها، وما لدي سلطة على أحد، فقال لها: يا هذه اتق الله فبين يديك هول المطلع وهول