المخرج الثالث: لما ظفر به الترك مرةً ثانية فأسروه، فقال الناس هذا منهم فيما مضى شارد، وقد أوثقه الصائد فهذه المرة لا يسلم والقتل عليه قد تحتم لأنه قد قاتلهم وأساء إليهم، ووقع الآن في قبضة أيديهم، وعزم أهل الظنون من الأكياس أنه سيسقى من الموت أمرَّ كأس، فأنزله الله تعالى بعجيب قدرته التي لا يعجزها شيء، وأعمى أبصارهم عنه حتى وصل إلى بلاده، وكان قد خلفه على ملكه من عشيرته شجاع قتال وجمع عنده كثيرًا من الخيل والسلاح وآلات الحرب والرجال والأحوال، فرجف الله به وداخله الرعب والذل حين سمع به ورأه، فلم يثبت له بل هرب بإذن الله حتى حصره وأخذ منه الملك قهرًا.
المخرج الرابع: عصيان أهل القصيم له ونبذهم العهد واستعدادهم للحرب، فساعده الله وجعل له الفتح والنصر وعفى لما قدر، وبالجملة فخوارق عاداته كثيرة، وفضائله شهيرة تحتاج إلى بسط يضيق عنها هذا الموضع.
ومما قال الشيخ أحمد بن علي بن مشرف يمتدحه:
بعدل ولاة الأمر ترسو دعائمه ... ويا من في قفر الفلاة سوائمه
وبالحزم والكتمان والجد والحجا ... ينال أخو العليا ما هو رائمه
وحكمك محمود العواقب إن يكن ... له صارمٌ ينفي الذي لا يلائمه
وأسوس أهل الملك من ساس من رعى ... برفق فإن لم يغن أغناه صارمه
كذاك إمام المسلمين لنفسه ... آناة فمن لم تغن أغنت عزائمه
هو البحر من أصدافه الدر يجتني ... وإن طاش بالأمواج لم ينجِ حائمه
تخلق بالصفح الجميل وبالندى ... وبالحلم مذ نيطت عليه تمائمه
مرؤاته أفنت خزائن جمعه ... فهل أنت في فعل المكارم لائمه
عطاياه كالوسمي إن شيم برقه ... ويممه الراجون ما خاب شائمه
بمدحته رنت بهجر بلابل ... وغنت بنجد ورقه وحمائمه
فشاد بناء المجد بالجود فاعتلى ... ومن بينه بالبخل لا شك هادمه
وإن أنت شبهت الإمام وجوده ... بمعن أو الطائي فإنك هاضمه