وكان ذلك في الساعة الخامسة غروبي فلم يصل إلى قبره إلا في تمام الساعة الثامنة ظهرًا وكادوا يهلكون من شدة الزحام وقامت نساء مصر يشددن شعروهن ويلطمن وجوههن من شدة الجزع واختل النظام وقام المصريون يصرخون تارة بالتأبين عليه وتارة بتلاوة القرآن عجز المذيع عن أن يعبر من شدة البكاء وبحت الأصوات في مصر ينادون أيها الأخوة المواطنون المشهد أكبر منا جميعًا وجعلوا يهتفون باسمه وينادونه جمال عبد الناصر تبكيه القلوب وداعًا يا جمال وداعًا يا أغنى الرجال وداعًا يا أعز الرجال وداعًا يا منيل الأمال وداعًا يا من غرست فينا العزة يا من غرست فينا الكرامة من لنا من بعدك يا جمال يا جمال إلى أين؟ مصر تناديك الأمة العربية كلها تنادي إلى غير ذلك من الجزع وأنواع الهذيان والحزن وهذه مبالغة لم يجرؤ عليها أحد في وفاة الأنبياء والرسل فقد مات سيد الرسل وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وما جرى ذلك التأبين عليه، وقد توفي عن عمر يناهز الثانية والخمسين مخلفًا ابنين وبنتين خالد وعبد الحكيم ومنى وهدى وعن زوجة فالله المستعان، وآخر شيء نقوله عنه أنه لا لعدو قهر ولا لصديق نصر ولا لشعب عمر وسيجازيه الله الذي لا يظلم النقير ولا القطمير بأعماله التي فعلها وأبشع جريمة تدخله بحرب اليمن وإزهاق عشرات الآلاف من البشر بسببه وتعذيبه للمسلمين في مصر وقتله العلماء الشرعيين كسيد قطب وحسن البناء وغيرهم وانتهت حياته المملوءة بالدماء مضافًا إلى ذلك إذاعاته السرية في مسبة ملوك العرب وبثه الجواسيس والمباحثين حتى كان القريب يتجسس على قريبه والوالد على ولده وعكسه والأخ على أخيه وبعثه المخربين وتسليطه زبانيته على خلق الله قالت صحيفة البعث الإسلامي في عددها الرابع المجلد الخامس عشر رمضان (١٣٩٠ هـ) ما نصه قضى من حياته أكثر من خمس عشرة في سياسة ملؤها بلبلة واضطراب وتأييد وإنكار وتغيير وإرهاب فكانت حياة أزعجت كثيرًا وأراحت قليلًا لقد مات والقدس الحزينة الواجمة تحت رحمة اليهود وسيناء وشرم الشيخ والضفة الغربية والجولان تحت حكمهم والمدن المصرية المدمرة المهدمة