لقد بذل المجهود في سد ثغره ... وأَمَّن أوطاننا بحكمة قادر
فهذا قليل من كثير تركته ... وحسبي لقد جئنا بعشر العشائر
ولما أن قدمنا العاصمة تبوك طفقنا نسأل عن بيت رئيس المحاكم هناك الشيخ صالح بن محمد بن عبد الله التويجري أن الشيخ صالح كان من زملائنا في الدراسة على الشيخ عمر بن محمد بن سليم وفي الدراسة على الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم العبادي، وما أن علم بقدومنا حتى جاء يحيينا لأنه كان في إجازة تلك الأيام وأعد لنا مائدة دعا إليها الأعيان وعلى رأسهم سعادة الأمير سليمان بن تركي السديري ووجدنا لديه ضيوفًا من قرابته وكان الأمير سليمان شابًّا نشيطًا يستقبل الأعمال الشاقة ويحلها بسعة صدر ورحابة جأش لا يتأثر لشيء من الأعمال وما يرد إليه من مهام الأمور ودعانا إلى مأدبة العشاء في قصره وأطلعنا على أشياء من الأواني القديمة التي يدخرها الرجل العربي ويحافظ على تقاليد أمته فكان لديه متحف يضم عمودًا من الحجر الأخضر الذي تدق به القهوة والبهارات في مهراس من الحجارة المهندسة وبكرة من آلات السانية ودلو كبير وهو الغرب ولما أن علم بأنا سنلقي موعظة تناول الهاتف ودعى إلى المسجد رؤساء الدوائر من بينهم مدير الأمن في المنطقة (الزعيم توفيق خالد علندا) وكانت مائدة الأمير حافلة تدل على كرمه وبعد مضي ثلاث ساعات من الليل ذهبنا إلى بستان الشيخ صالح فاستقبلنا الحارس وكان يمنيًّا يعمل في البستان ويحمل سراجًا لتقلبه بين الأشجار في ظلمة الليل فوضعه أمامنا وجعل أصحابنا يناولونه فناجين القهوة وأكواب الشاي ويتحدث معنا وأهدينا له بعض الإرشادات والبيان عن التبغ والقات ومفاسدها وقد أنسنا منه قبولًا ويعتذر عما كان عليه بعض اليمنيين من الجهل لعدم وجود تعليم لديهم. أما عن القات فإنه لا يزال يمتدحه ويقول إنه يقوي العروق وينعش النفس وغير ذلك من مقتضيات ما يوحي إليه عقله وهواه، وكنت أعجب من إخلاصه في سقي البستان طوال الليل وقد يرسل صوته في الفضاء على ألحان اليمانيين ولغتهم ولو قلت أنه ما نام ساعة من الليل لكنت صادقًا وكان في معيته اثنان من العمال لكنه