وقد افترس رجلًا وامرأتين وبعدما فرغ من العشاء قام مودعًا يقول أستودعكم الله وكانت حالته يرثى لها فسبحان من ألقى عليه الصبر في مكابدة تلك الفلوات والأودية وقد بدت مرفقاه وأسفل ثوبه إذا عصفته الرياح كأذناب البقر وبما أن تلك الجهة موحشة فإنا لا ننساها لخالد ومحمد في حراستنا تلك الليلة العجيبة، ولما أن تبدت أشعة الفجر قمنا للأذان والصلاة وسرنا سالكين الطريق المسمى (بالنجد) حتى تبدى بعد شروق الشمس بساعة وثلاثين دقيقة مركز بدي كان رئيس ذلك المركز رجل يدعى طويلع بن محمد النويعم وما أن علم بنا حتى وقف في الطريق وطلب من جميع أهل المركز أن لا يسبقوه في ضيافتنا فجلسنا لديه وكان عنده كتب منها رياض الصالحين وشرح موطأ مالك بن أنس في كتب أخرى وقدم لنا قهوة البن والحليب والشاي وتمرًا جديدًا يابسًا وقد ألح بالجلوس لتناول طعام الغداء غير أننا لا ينقصنا شيء من نعم الله التي زودنا بها أمير تبوك وكان يغتنم الفرصة ليطول الجلوس عنده وتظهر عليه آثار الوفاء ومحبة أولياء الله، وكان المركز مقامًا من الخشب ومسقوفًا بالسينكو كغيره من ساكن (بدي) أي أنها صنادق وذكر لنا مشاحة الأهالي فيما بينهم من جهة الماء والمساكن وهذه كعادة البدو يزدحمون في موضع وإن وكان الفضاء واسعًا وكان الماء فيه عذبًا قراحًا ويوجد هناك شجر الدوم بكثرة وبعد تبادل الحديث ذكروا لنا عن النجد وموضع مبيتنا الذي بتنا فيه الليلة الماضية أنه مخوف جدًّا من الغيلان والأشباح المستكرهة والحقيقة أني لو قلت أنها منازل الجن والشياطين والسعالي والوحوش والسباع لكنت غير مبالغ. أما عن جو بدى فمتسع وفيه زراعة ضعيفة ويوجد فيه من الآثار القديمة جابيه من وضع زبيدة زوج هارون الرشيد التي كانت في طريق حجاج العراق إلى مكة المكرمة، وقد رسمت الأرض وفيها نزاع بينهم ذكروا لنا أن الهيئات دائمًا بعثها للمشكلات هناك ولو أنهم قاموا بعمارات تلك المتسعات والفيافي القفر وقاموا بحفر الآبار وأبقى القنوات لكان أحسن من تلك المشاحة، وأملنا عظيم في حكومتنا أن تفتح المجال وتبذل المساعدات ليتسع العمران هناك فقد كانت الصحاري قاحلة ومن أعجب ما