ولما هرب عبد الله ووصل إلى الرياض واستقبله أهلها، واتفق به الشيخ عبد اللطيف وذاكره النصيحة وعظه بآيات الله وحقه وإيثار مرضاته والتباعد من أعداء الله وأعداء رسوله ودينه، أظهر الإمام التوبة والندم، واضمحل أمر سعود فصار مع شرذمة من البادية حوالي آل مرة والعجمان، وصارت الغلبة للإمام عبد الله.
ثم إن الله تعالى ابتلى المسلمين مرةً ثانية بسعود بن فيصل، فها هو ذا أقبل واستولى على الخرج غير أن مصيبة العثمانين أنست ذلك كله، فتذكر هنا القصيدة التي أنشأها الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن قدس الله روحه ونور مرقده وضريحه فيما يتعلق بذلك، وهي جواب لقصيدة وردت عليه فأنشأ هذه القصيدة ذاكرًا فيها العهد الذي سبق قبل ذلك من ظهور الإسلام بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب، فانتشرت بدعوته الملة الإسلامية والطريقة المحمدية، واستقام الإسلام وانتشرت أعلام الجهاد، وانمحت آثار الضلال والفساد.
ثم ذكر ما وقع من مفاسد العساكر، وكانت هذه القصيدة من غرر القصائد وبدائع الفوائد، وأشد ما يكون على الأعداء وثباتها، فتعين لذلك إيرادها وإثباتها، وكان إذ ذاك في شدة مقاسات أهوال تلك الفتن، ومعاناة أثقال تلك الحوادث والمحن، وقلة من المساعد، وكثرة من المكايد والمعاند، تغدو عليه الأرجيف وتروح، وتظهر أنياب النفاق إذ ذاك وتلوح، وثم من يقود المشركين ويؤزهم على عباد الله الموحدين.
وقد ابتلى الناس مع ذلك بجور الأئمة والولاة واستباح الأموال والدماء أشرار طغات من الحضر والبوادي العتات، وأصبح أهل الحق ما بين معاقب مكبل في الحديد، وما بين شريد في القبائل طريد، فاشتد البلاء وأعضل اليأس، وكثر الجهل وعظم الإلتباس، وقلت الديانة في كثير من الناس، وسار والي البلاد التي هجمت عليها العساكر، وظهرت بها أنواع الفسوق والمناكر، وصار لأهل الرفض والشرك بها الصولة، وكان لهم في تلك الجهات الغلبة والدولة، وضيعت بها أحكام الشريعة المطهرة، وظهرت بها أحكام الكفرة الفجرة، فبذل الشيخ الجد والاجتهاد بإرسال الرسائل والنصائح والتحذير من أسباب الندم والفضائح، كما يعرف ذلك من أمعن