وحديثي عن هذه الرحلة طويل فيه تفاصيل وبيانات أفردتها بكتاب مستقل، وهنا أشرنا إشارة لطيفة، وما لا يدرك كله لا يترك كله، وعلى من أحب التفاصيل مراجعتها.
ولما أن سرنا نواصل السير مررنا على سراة عبيدة وظهران الجنوب وكان من مزيَّة الوكيل في إمارته أن شيعنا بنفسه بعد تناول ضيافته وإكرامه إلى مسافة عشرين كيلومترًا في سيرنا إلى نجران، ومما يجمل بنا ذكره رؤيتنا لقوم من تهامة قحطان قد شدوا عصائب على رؤوسهم وغرزوا فيها أنواعًا من الأشجار ومن رؤية نجران والاجتماع بوكيل الإمارة هناك ناصر ابن خالد السديري الذي قام باحتشامنا وأنزلنا أفخر المنازل وأطلعنا على الأخدود، وما هنالك من الآثار، وقد لبثنا يومًا وليلة في ضيافته ويقص من أخبارهم وما يعرفه عن نجران بأدب وحُسن تعبير.
سرنا إلى جيزان، وإن كان الوقت غير مناسب لشدة الحر لكن لرغبة بعض الرفقة الذين في صحبتنا وهناك واصلنا السير إلى صامطة مارين بقرية (الأحد) ثم (دغارير)، وكانت كل هذه البلدان مضاءة بالأنوار ليلًا، وكان ما بين جيزان الذي قدمنا إليه في الساعة الواحدة والنصف عربيًّا مع أذان العشاء الآخرة إلى صامطة ٨٥ كيلومترًا.
أما ما يحتوي جيزان عليه فهناك وادي تعشر ووادي أبو حشيش ووادي المغايلة ويليه إلى الشمال (وادي لِيَه) ويليه (خلب) وكنا لما أن قدمنا إلى صامطة كان الطقس غير مناسب، فلم نر إطالة الجلوس هناك بحيث نتصل بالإمارة ونمتطي إحدى سياراتها لرؤية الآثار كجاري عادتنا.
فقد طفقنا نسأل عن مسكن الأخ عبد الله بن صالح بن دغيثر من أهالي بريدة واستوطن صامطة منذ ثلاث وخمسين عامًا، وكان قريبًا لأحد الرفقة، وكان في صفته مربوع القامة شيخًا قليل اللحم صالحًا عمره يناهز السبعين ولكنه يتمتع بنشاط وحيوية وقد صبغ لحيته بالحناء، وملازمًا للصلوات الخمس والعبادة في