ويقول الشيخ العالم الماهر الذي صاغ الجواهر من عويص غويصه أحمد بن علي بن مشرف رحمة الله عليه ومغفرته منهضًا للإمام فيصل بن تركي لقتال الأعراب:
ولا ترضى إلا مقعد العز مقعدًا ... على ظهر مهر للعنان مجاذب
وجر عليهم جحفلًا بعد جحفل ... وضيق عليهم أرضهم بالمقانب
جيوشًا تريهم ظلمة الليل في الضحى ... ولمع المواضي كالنجوم الثواقب
فإن أنت سالمت العدو مخافة ... فأيسر ما يلقاه بول الثعالب
فقول الشاعر الأول (لا تطلب الصلح من جهال) إشارة إلى أن العدو لا يخضع باسترحامه والتعطف له بل يخضع إذا جرحته القنابل وبددت أوصاله وأعمى منخريه وعينيه دخان النار وشظائف الحديد وانشغل بدفن أصحابه وذويه وقام الناعي ينعى أقرانه ويبكي أحبابه وأترابه فعند ذلك يطلب الصلح ويترك ما بين يديه راغمًا مما دهاه ودهمه.
ويحدثنا التاريخ عن شجاعة أمير المؤمنين هارون الرشيد لما سقط بين يديه خطاب النقفور الذي قال فيه من النقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أن الملكة ريني التي بعثت إليك أموال بلادنا قد خلعناها لضعفها - ويريد بذلك الجزية - فرد جميع ما بعثت إليك وإلا فالسيف بيننا وبينك فغضب أمير المؤمنين هارون وانتفخ وبعث إليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من أمير المؤمنين ملك العرب إلى كلب الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فالجواب ما ترى لا ما تسمع، ثم صاح بالنفير العام وزحف في أول وهلة بعشرة آلاف فارس، ثم إنه توغل في بلدان الروم فجعل يهدم فيها ويحرق فجاءه الجواب من الملك النقفور يقول: ترجع ولك جميع ما يدفع إليك قبل ذلك، فقال: لا أرجع حتى تكتب على سكتكم اسم هارون الرشيد ففعلًا كتب على نقودهم اسم هارون الرشيد.
هذا هارون الرشيد الذي كتب على قلنسوته (غازٍ حاج) فسنة يحج وسنة يغزو فيرجع مرفوع اللواء منصورًا معززًا ثم يقول شاعر الإسلام أحمد بن مشرف مصورًا نتيجة الجهاد في سبيل الله والدفاع عن النفس والأهل والوطن: