الجوع وأنهم يعيشون بحالة بؤس من الحياة التي رماهم بها الزمان فلا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا.
وحاول قطاع الطريق قتله حينما كان يسير في بلاد تخلو من الجن والإنس وواصل رحلته فوصل إلى مدينة موحشة عندما يأتيها الليل يختفي منها أشكال الحياة تمامًا والصمت يطبق عليها فتشعر أنك في مدينة هجرها السكان، فسأل عن السر بحيث جاء إلى المدينة نهارًا ورأى فيها حركة لا تهدأ فأين ذهب كل هؤلاء الناس، فقيل إنها ملأى بالمخاطر جواسيس ومنافقون يعدون أنفاس الهوى ليطيروها إلى الشيوعيين ومجرمون وقطّاع طرق يحاولون أن يروعوا أمن المدينة بالسرقة والنهب والقتل مما جعلني أخشى على ما أحمله من مساعدات لليتامى.
وبعد أن وصلنا إلى الضفة الأخرى انطلقت بالسيارة التي تارة تسير سير السلحفاة وتارة تسحب بالحبال وسط مسالك جبلية صعبة حتى لا تصل إليهم أنظار الشيوعيين، وأخذنا يومين كاملين دون أن نبصر أمامنا أو خلفنا شيئًا كأننا نسبح في فضاء واسع يتعذر على العين أن ترى نهاية لأفقه الواسع.
ويحكي جمال بأن الشيوعيين شعروا به فأطلقوا عليه صاروخين لكنه انبطح على بطنه في الأرض فلم تصبه وكتبت له النجاة وأنه عانى ورفيقه جوعًا وعطشًا بلغ بهما إلى درجة أن أيقنوا بالهلاك وبينما هما كذلك إذ رأيا عين ماء تنبع من باطن الجبل فأسرعا إليها ورأيا أنها عناية من الله هي أغلى من كل كنوز الدنيا، قال فأخذنا نرتشف الماء ونفرقه بأيدينا، ويواصل مقالته بأنه في أثناء تجولاته بين قندهار وكوتيا وجد اثنين من المجاهدين يحملان زميلًا ثالثًا أصابته طلقات الشيوعيين في الجبهة، وعندما عرّفهما بنفسه وطلبا منه أن يحمله للعلاج بمستشفى المدينة المنورة على الحدود الباكستانية ويعيدهما لاستكمال الجهاد لفظ المريض آخر أنفاسه.
قال فطلبت أباه بعد جهد شديد وإذا هو طاعن في السن ليس له مصدر رزق فأخبره أن ابنه الآخر استشهد منذ عشرة شهور وأن الاثنين متزوجان ولكل منهما