وقاضيًا له، وإذا جلس الإمام فيصل في الصيوان وجلس المسلمون حوله قد حفوا به كان الشيخ إلى جهته، فيأمر القارئ بالقراءة بين يديه، وكان على شيء عجيب من البصيرة في الدين وسعة الحلم وكمال الأدب، كما كتب إليه الشيخ حمد بن عتيق في بعض الأيام بكتاب أغلظ فيه القول كعادته يحضه فيه على الصدع بالحق وأساء الأدب معه في الكلام ولم يرع حق من تزدحم على نيل فوائده الآنام، وتثبت فوائده الأقلام، ويحتاج إلى تفريغ منطوقه أولو الإفهام ويقرّ بفضله الخاص والعام، والباعث للشيخ حمد شدة الغيرة كعادته في المراسلات، ولم يمعن النظر فيمن يخاطبه، فبعث إليه الشيخ برسالة أفصحت عما لديه من الميراث النبوي، وبين له فيها الخلق العظيم وسجية المصطفى الكريم، وقال في معرض الجواب:
وبعد فإني أحمد إليك الله سبحانه على نعمه، والخط وصل وصلك الله بما يقربك إليه، وما أشرت إليه صار معلومًا لا سيما الإشارة الخفية والنكت الأدبية التي منها تشبيه أخيك بالطير المبرقع وإيراد المواعظ وأنت بمكان أعلى وأرفع وكنت حال وصوله قد قرأته بمرئى من أهل الأدب ومسمع، فمن قائل عند سماعه هذا الرجل طبعه الغلظة والجمود، وآخر يقول كانه لا يحسن الدعوة إلى ربنا المعبود، فقلت كلا إنه ابن جلا؛ وله سبق في مضمار الديانة العلى، لكن من عادته أن يتجاسر على أحبابه؛ ويزدري رئب أخدانه وأترابه، والمحب له الدلال، والمرء يشرق بالزلال، ثم بين له بعد ذلك طريق الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن الشدة والغلظة إنما تستعمل بعد اللين، ثم أفاده بألطف عبارة وأوجز إشارة.
ثم قال في آخر الرسالة: هذا وقد كنت أظن أنكم تحبون من هاجر إليكم وتراعون حق أسلافه في المشيخة عليكم ومكان العلم وتعليمه.
ولقد جرى في وقته فتن ومحن وشقاق في شأن الإمامة بين أميرين من آل سعود لكل منهما أنصار، وكلاهما يرى أنه أحق بالإمامة من الآخر، وتطلع في هذه الفتن ما كان قد قبع من أتباع الشيطان، ورفع رأسه فيها كل مارد فتان، وفرح بها أهل النفاق والطغيان، فقام رحمه الله بأعباء الدفاع عن بيضة الإسلام وبث رسائله