ولا تحقر الخصم الضعيف لضعفه ... فكم خرَّب الجرذي في سد مأرب
وهذه الأبيات وإن قيلت في ملك عربي لا يملك في زمنه سوى سيف أو مدفع فتيل فإن لها في السياسة والحزم، وما ينبغي للرئيس أن يمثل به مقامه، وكان المعنى بذلك هو فيصل بن تركي بن عبد الله بن سعود، ولما أن بلغ فتوحاته إلى قطر ومسقط ورأس الخيمة خافت بريطانيا من توسعات رقعة المملكة السعودية فبعثت بباخرتين حربيتين عظيمتين إلى مياه الخليج لرد أطماعه، فأمر الإمام فيصل عبده بلال أن يزحف بمدفع ضد الباخرتين فيضربهما، ولما أن رسى بلال بمدفعه جعل قائد الباخرتين يضحك استهتارًا لذلك المدفع الضعيف وصاحبه، فأنذر بلال قائدي الباخرتين بأن يغادرا موضعهما، ولكن الباخرتين لم تتأثرا لذلك، فعند ذلك أطلق بلال مدفعه وما النصر إلا من عند الله فسقطت القنبلة في إحدى البواخر فقدر أن ثار اللهب والتهبت الذخيرة بأجمعها وامتدت النيران على الباخرة الأخرى فعطبتا وغرقتا وهلك ركابها بين حريق وغريق، وخلد الزمان ذكرًا لبلال ومدفعه، فلا يزال في موضعه بين البر والبحر ذكرًا خالدًا.
وقد ذكرتني هذه القصة بأخرى في جهاد رئيس ليبيا السابق عمر المختار لإيطاليا حينما أرسل قنبلة على إحدى دبابتين حربيتين ايطاليتين فأصيبت فاستدارت على الأخرى فأصيبتا ودمرهما جميعًا، والله على كل شيء قدير.
رجعنا إلى ما نحن فيه فنقول: لما كان في اليوم الثاني من تخلي الرئيس ميخائيل عن منصبه قام في صباح اليوم العاشر خمسون ألف متظاهر في موسكو يطالبون بعودة الرئيس إلى منصبه وأن يكشف عن حالته الصحية لأنه تخلى أو عزل بهذه الدعوى واحتجوا هم وغيرهم ممن يؤيده بأن تخليه عن منصبه ليس بمقبول لأنه انسحب بغير طريقة شرعية ولا قانونية، وكثر الهرج والمرج والقيل والقال بين مكذب ومصدق، فبينما الناس متحيرين في انشقاق يوغسلافيا إذا قد وقعت المشكلة في روسيا، ولا ريب في أن دعاء المسلمين في خلواتهم وجلواتهم