يرعون للعرب ولا لقرارات مجلس الأمن حرمة، وهكذا أمةً يترك لها الزمام والخطام يفعلون ما يشاءون ويحكمون فيما يريدون، وفي كل ساعة يطلقون النار على أبناء فلسطين فيسقطون ما بين قتيل وجريح ومعوق، وامتلأت السجون بالفلسطينيين فهذا يحكم عليه بسجن المؤبد وهذا بسجن أربعين سنة وخمس عشر وثمان، وامتلأت السجون بأهالي فلسطين وقد ذكرنا في هذا التاريخ قصصًا وأخبارًا مملوءة بأعمال اليهود وظلمهم، وذلك لما ضمه تاريخنا من أعداد السنين التي استولوا بها على فلسطين وما يليه بوعد بلفور من حينما سكنت الحرب العالمية الأولى وما جرى في هذه السنين ولا سيما لما رفع اليهود منذ ست وخمسين سنة لشعار اليهودي على المسجد الأقصى، فعلت صيحات العرب وسائر المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وكان الرئيس هتلر زعيم ألمانيا يتكهن وقوع الزلازل والمعارك في الشرق الأوسط ولا سيما حينما وقف مشيرًا بأصبعه إلى فلسطين لعلمه أن اتخاذ اليهود فلسطين سيحدث الزعازع والأهوال، وكان يقول: سيحدث أهوال في فلسطين ويشير إليها، وبما أنه العدو الألد لليهود لما يعرفه عنهم من المكر والخداع والكذب فقد شفى غيظه منهم وأَنذر من فتنهم وشرهم، وقد قدمنا في هذا التاريخ ما فيه كفاية.
ولما أن كان في أواخر شهر ربيع الأول قامت قوات صدام حسين بضرب الأكراد في موقعهم الذي كانوا فيه لاجئين، فجرى بين خريد وبين الأكراد مناوشات وقام الأكراد على ستة وستين أسيرًا عراقيًا فقتلوهم وهم واضعون أيديهم علي رؤوسهم للاستسلام، ثم قام الرئيس صدام فقتل من جنوده ستة وسبعين ضابطًا بيده، كان يزعم أنهم متواطئون على اغتياله، وقد قررت الأمة بإجماعها على أن لا أمن ولا طمأنينة ما بقي صدام في الوجود، أما ما لحق بالعراق من الأضرار والتدمير فشيء كثير، وبما أن أهل العراق قد أظهروا للأمة عجزهم عن اغتياله فإنه لا ذنب لهم فيما أبدوه من مقاسات ظلمه وأعماله، وقد كانت السليمانية موضعًا للمعركة الأخيرة، وبما أن الأمور أصبحت بهذا الوضع فقد مرَّ من العراق مليونان من السكان إلى أطراف البلاد التركية خوفًا على أنفسهم وذرياتهم من هذه الطوارئ.