وكنا على هذا زمانا بغبطةٍ ... وأنوار هذا الدين تعلو سواميا
فما كان إلا برهةً ثم أطبقت ... علينا بأنواع الهموم الروازيا
فكنا أحاديث كأخبار من مضى ... وننبيء عنها في القرون الخواليا
لعمري لأن كانت أصيبت قلوبنا ... وأوجعها فقدان تلك المعاليا
لقد زادت البلوى اضطرامًا وحرقةً ... فحق لنا إهراق دمع المآقيا
فقد أظلمت أرجاء نجد وأطفأت ... مصابيح داجيها لخطبٍ وداهيا
لموت إمام الدين والعلم والتقى ... مذيق العدى كاسات سم الأقاليا
فعبد اللطيف الحبر أوحد عصره ... إمام هدى قد كان لله داعيا
لقد كان فخرًا للأنام وحجةً ... وثقلًا على الأعداء عضبًا يمانيا
إمامًا سمى مجدًا إلى المجد وارتقى ... وحل رواق المجد إذ كان عاليا
تصدى لرد المنكرات وهدمها ... بنته عداة الدين من كل طاغيا
فأضحت به السمحاء يبسم ثغرها ... ويحمي حماها من شرور الأعاديا
حباه إله العرش في العلم والنهى ... بما فاق أبناء الزمان تساميا
وقد جد في ذات الإله بجهده ... ولم يأل في رأب الثنى والمناهيا
ولما نمى الركبان أخبار موته ... وأصبح ناعي الدين فينا مناديا
رثيناه جبرًا للقلوب لما بها ... وحل بها من موجعات التأسيا
لشمس الهدى بدر الدجى علم الهدى ... وغيض العدا فاليبك من كان باكيا
لأن ظهرت منا عليه كآبةً ... وحل بنا خطب من الرزء شاجيا
فقد كسفت للدين شمس منيرةٌ ... يضيء سناها للورى متساميًا
سقى الله رمسًا حله وابل الرضا ... وهطال سحب العفو من كل غاديا
ولا زال إحسان الإله وبره ... على قبره ذي ديمة ثم هاميا
وأسكنه الفردوس فضلًا ورحمةً ... وألحقه بالصالحين المهاديا
عليه تحيات السلام وإن نأى ... وأضحى دفينًا في المقابر ثاويا
يفوق عبير المسك عرف عبيرها ... ويبهر ضوء الشمس أزكى سلاميا