وكنت أذكر أن حربًا نشبت بين جيشين من العرب القدماء، وكانت نيران الحرب تضطرم فكان سبب إطفائها امرأة من نساء العرب الصلحاء ذات شرف ومقدرة، ونحن نسوق القصة، ذلك بأن أمير من أمراء العرب قال لمن حوله: هل يوجد أحد لا يزوجني؟ فقيل له نعم فلان، فركب الخاطب تحدي ورجاله متوجهًا إلى ذلك الشخص، ولما أن قدم عليه خطب من إحدى بناته فكأنه لم يُعره اهتمام فرجع، ولما أن ولى ذاهبًا قالت له زوجته من هذا الرجل، فقال: هذا أمير فارغ البال يخطب إحدى البنات، فقالت: ولم لم تزوجه وهو كفو ومن جهةٍ أخرى فإنه أقوى منك، فيوشك أن يغزوك في عقر دارك ويأخذ بناتك سراري، اذهب فرده واعتذر إليه، فركب فرسه ثم أدركه وأبدى عذره وطلب منه الرجوع لينال ما طلبه هذا، وقد كان أهل الجاهلية ينهب بعضهم بعضًا، ويقتل القوي الضعيف قبل بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلما جاء الإسلام وانتشر في الأرض، حمى كرامة الإنسانية، ولما أن رجع دعا ابنته الكبرى فعرض عليها الزواج، فاعتذرت قائلةً: يا أبتِ هذا رجل شريف وإني لم أدرس ولم أتأدب، فعدل عنها إلى أختها، وعرض لها الموضوع، فاعتذرت بمثل كلام أختها، وقالت: الأمر إليك، ولكنني أخشى أن لا أسترك، فعرض الموضوع على الثالثة، وأجابت بكلام أختيها، فدعا الصغرى وقال لها: إني أريد أن أزوجك برجل كريم، فقالت: لا مانع من ذلك إذا رأيته وأشرت به فأنت والدي الحنون، وأنا البنت المطيعة، فعقد لها عليها وقاموا بتجهيز طعام العشاء، ومائدة الزواج، ودعوة الجيران، ونحر الخرفان، ولما أن كان الليل ودخل في موضع النوم وأرادها قال: ليس ذلك من الشيمة أن يكون افتضاضك لي بين أخواتي، فإذا سرنا فشأنك، فاستشار وزيره فأشار عليه بالنزول على رأيها، ولما أن كانوا في أثناء المسير وخلى بها قالت: كأني تعبة وأنا لك فاصبر حتى تقدم بلدك وتنحر الجزور، وتدعوا الجيران إلى مائدتك، فشق ذلك واستشار وزيره فقال: نعم، وإني أراها نجيبة، ولما أن قدموا وفرغوا من طعام المائدة التي هيئت لزواج الأمير ودخل عليها يريد افتضاضها قالت: أيها الأمير إني لك وإن أبي يقول قد زوجتك برجل عظيم وكفؤ