كريم، فإن كنت كذلك فأريد منك أن تسكن هذه الحرب التي بين عبس وذبيان، فشق ذلك عليه، واستشار وزيره، فأشار عليه بقبول كلامها، وكانت الحرب قد نشبت منذ ست وسنين بين قبيلتين قد سكنت كل قبيلة بجبل من الجبال، وما وقعت عليه السهام، ذهب ضحية تلك الحرب، ولقد جاء أحد المشاهير على فرسه يشير بعلم أبيض، فقال الفريقان المتحاربان هذا أبو فلان، ولم يخرج هذا الخروج إلا لمهمة، انزلوا وكلموه واسألوه، فقال: إن هذه الحرب التي أهلكت الأنفس والأموال لا بد من تسكينها فجعل الأمير يصالحهم، فأحصيت الديات فبلغت مائة دية، فتحملها ثم إنها سكنت الحرب، وذهب كل فارس إلى بيته، ولما كان بعد سكونها بأربعة أيام قام رجل من إحدى القبيلتين لا يعرف صلحًا ولا هدنة لأخذ الثأر من قاتل ابن عمه فقتله على غرة بعدما وضعت الحرب أوزارها فرجعت الأمور إلى وضعها، وقالوا خدعنا فلان الذي سكن الحرب، فقام وركب فرسه وأردف ابنه خلفه وخرج إليهم، وقال: هذا أمر لم يكن باستطاعتي وجرى ولكم ابني هذا فاقتلوه ومزقوه، وقد رأوا مواقفه تلك من صفح عن القاتل كغيره، وقد حضر هذا الشاعر الجاهلي صاحب المعلقة وهو زهير بن أبي سلمى بقوله يمتدح الرجلين الذين أطفئا هذه الحرب وسكناها، وهما الحرث ابن عوف وهرم ابن سنان:
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله ... رجال بنوه من قريشٍ وجرهم
يمينًا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سجيل ومبرم
تداركتما عبيسًا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منسم
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعًا ... مجال ومعروف من القول يسلم
إلا أبلغ الأحلاف عني رسالةٍ ... وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ... لتخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ... ليوم الحساب أو يعجل فينقم
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة ... وتضر إذا ضريتموها فتضرم