وتدار القهوة على الحاضرين والبخور والطيب، كذلك من دخل للاستماع، ووجد الشيخ والإخوان مفطرين يفطر تأسيًا بهم، فذهب بعض الناس من المرجفين إلى الإمام ثائري الرؤوس منتفخي الأشداق، واستثاروا جأشه فلم ير بدًا من أن يبعث إلى مجلس التدريس من يشتته، وألزم الناس بالصيام بعد إغلاق بيت الشيخ وإخراج الطلاب وحبس بعضهم.
وكان من جملة من حبس من أهل العلم سليمان بن سحمان، وكان الساعون بهذه المسألة مع ما قام بهم من الغيظ والحمق يرون صيام يوم الشك إذا حال دون منظر الهلال غيم أو قتر وهي رواية عن الإمام أحمد، أخذ بها بعض الأصحاب، ويكون ذلك احتياطًا ولم يذكروا أنه يضرب ويؤذي من لم يصم كحبسه ونحو ذلك.
والرواية الثانية: أنه لا يصام إلا برؤية هلال رمضان وإكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا، وهذه الرواية هي الصحيحة، وعليها العمل وهو الراجح عند جمهور الأصحاب، وعليه تدل الأدلة الصحيحة فهذا هو الباعث لتلك المحنة.
ما كان لعبد الله بن فيصل أن يصوم أو يأمر بالصيام إلا بإذن من شيخ الطريقة وعالم الوقت ألا وهو الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وأن له مندوحة عن هذا الفعل السيء الذي يجرح العواطف، وقد لبث المسجونون من الصباح إلى وقت الظهر ثم أخرجوا بشفاعة والدة الإمام أثابها الله.
وقد قال الشيخ سليمان بن سحمان في ذلك الحادث يشكو إلى الله شماتة الأعداء:
لله عيش تقضي بالمسرات ... وسلوةٌ وانشراحات وخيرات
والقلب ذو رغدٍ فيه وذو دعةٍ ... قد انقضى بسعادات وراحات
ولم يقاس من الأهوال فادحةٍ ... ولا أستهين بلوعات وروعات
في كل يوم أقاسي شدة وهنا ... بعد الذي كان في عصر المسرات
استغفر الله عما كان من زلل ... ومن خطأ تخطا بالمصيبات