ولقد كان موضع المعركة يشيب الوليد بحيث أن الجرحى يئنون فوق ظهر الأرض لا يجدون من يقوم برعايتهم، حتى هلكوا بين أولئك القتلى، والأمر كان فوق ما قيل من الهول والأمر الفظيع، وهذه الواقعة شبيهة بواقعة بقعا فإن الجرحاء لما وقعوا بين الأموات إذ ذاك قام الرشيديون ينادون بالماء لمن يريد الشراب فإذا تكلم الجريح أجهزوا عليه، وهل بعد هذه القسوة شيء، نسأل الله العافية، وما أشبه الليلة بالبارحة، فتلك فعلها عبد الله بن علي بن رشيد بأهل القصيم، وهذه فعلها ابنه محمد بن عبد الله بهم أيضًا، وبهذا تعرف فظاعة آل رشيد وغلظتهم وفظاظتهم.
وتعلم أن أهل القصيم ابتلوا وامتحنوا بوقعات أضعفت شأنهم كبقعا وأليتيمة والمليداء وغير ذلك.
رجعنا إلى ذكر الإمام عبد الرحمن الفيصل، فنقول لما علم الإمام عبد الرحمن بما جرى، خرج من الرياض لينجد أهل القصيم، ولما أن علم وهو في أثناء الطريق ما جرى في المليداء من الهزيمة على أهل القصيم ثنا عزمه وعاد إلى الرياض، فأخرج حريمه وأولاده منها وترك أوطانه فارًا منها، فليس له قرار حتى يعيد الله الكرة وينعش أوليائه، ويأتي بفرج وفتح من عنده، فارتحلوا إلى الأحساء، وكان المتصرف فيها عاكف باشا، وبعد أن وصل الإمام عبد الرحمن إليها قابله مندوب من قبل واليها، وهو شاب لبناني اسمه الدكتور زخور عازار، انتدبه المتصرف ليفاوض ابن سعود ويعرض عليه شروط الدولة، فاجتمع بعبد الرحمن على عين النجا قرب المبرز في جمادى الثانية من هذه السنة، وكان مع عبد الرحمن ابنه الصغير عبد العزيز، فعرض عليه أن يعود إلى الرياض ويتولاها من قبل الدولة العثمانية إذا اعترف بسيادتها، وأن يخضعوا لها ويدفعوا بمثابة الخراج ألف ريال في السنة، فلعلم الإمام بعجز الأتراك عن مساعدته مساعدةً فعلية، ولعلمه بنيتهم أبى ورفض ما اشترطوه قائلًا: إن بعد ذبح بندر بن رشيد تفلتت العشائر فصارت خائنة بعضها لبعض وللأمراء الحاكمين كذلك، وكان صاحب قطر وهو قاسم بن ثاني يومئذٍ خارجًا على الدولة فشاع أن مندوب عاكف باشا يسعى في عقد اتفاق بين ابن سعود وبين