للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البلدان خشيةً عليه من سطوة الأمير، فلعلمه أن الفرار لا ينجيه قدم بريده، وعلى الفور دعى به إليه، فجعل يقول له لا بأس عليك، وأنك جمَّال فأخبرنا بصاحب الكتاب، وأنه لا ذنب لك ولا عليك فإنك إن تخبرنا بالحال نجازيك على إحسانك ولا نخبر صاحبك، أجاب هذا الرجل الأمير بقوله: أيها الأمير والله لا علم لي بصاحب الكتاب ولا بالكتاب، غير أني لما قدمت الجبل وحملت الكتب لأوزعها، وجدت من بينها كتاب الحاكم فدفعته إليه، ولو قد علمت أنه مسبة لم أحمله، فعفا عنه ثم أذن له بالذهاب، ودعى به بعد ذلك، فلما حضر تكلم الأمير بقوله: يا زيد الكتاب عرفناه قد أظنه فلانًا فتبين أنه فلان يا زيد، الله لا يتهم بريء، وهذه كلمة عامية معناها "نسأل الله أن لا نتهم أحدًا وهو بريء" فهل كان الأمر كما قد علمنا، وزيد لا يجيب إلا بالإنكار والبراءة من فلان وفلان، ويعاهده على عدم معرفته، فقام الأمير للوضوء وهذا الجمال جاثٍ على ركبتيه لم يتحول، وقد كان لدى خدم الأمير ورجاله معروفًا ومحتشمًا، ومع ذلك لم يتجاسر أحد منهم على كلامه، والسلام عليه خوفًا من الأمير، ثم خرج من وضوءه ودعى بالقهوة وأجلسه إلى جانبه وعفا عنه؛ فقام الرجال يسلمون عليه ويسألونه عن أهاليهم في بلدة حائل، كيف فلان وما صنع فلان، وقام منصرفًا قد سلم منهم.

ولما جلس الإمام عبد الرحمن بن فيصل وعائلته في الكويت، بعث الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد بهدية إلى ابن صباح في الكويت، وكان بعثه لهذه الهدية على يدي رجل من خاصته، ذوي الدراية والمعرفة، وأوحى إليه بأني لا أخشى من عبد الرحمن بن فيصل إنما خشيتي من أبناءه، فاذهب وائتني بخبرهم، وكان قد خامره خوف من ذرية عبد الرحمن هذا، ففعلًا سار هذا الرسول بالهدية وقدم بها على صاحب الكويت للسلام عليه والمواصلة الحسنة، وبعد ما ناوله الهدية، طلب السلام على عبد الرحمن الفيصل وأنجاله الكرام لما وصل إلى ساحتهم فاجتمع الرسول بعبد الرحمن، وجعل يقلب النظر في أولئك الأولاد وينظر إلى محمد بن عبد الرحمن قد طر شاربه وعليه آثار السمت والحياء.